المعترضون على سواقة المرأة للسيارة لا ينظرون إلى السواقة على أنها حاجة فعلية يفرضها واقع الحال، هم ينظرون إليها من منظار خيالي بعيد عن الواقع فلا يرون فيها سوى مجرد رغبة عبثية. لذلك نراهم يقترحون على المرأة حلولا يرونها تشبع تلك الرغبة الطارئة لدى المرأة في سواقة السيارة، مثل الاقتراح بأن تسوق المرأة السيارة في البر، أو أن تسوقها بين محارمها (ربما المقصود داخل حوش البيت)، أو أن تسوقها في الليل بعد أن ينام الناس وتخلو الطريق من المارة، في رأيهم طالما أن الغاية إشباع الهواية فهذه حلول تحقق تلك الرغبة. في «عكاظ» يوم الثلاثاء الماضي، صورة وخبر عن (أم محسن)، امرأة من محافظة حبونا في الجنوب، في الستينات من عمرها، تقود سيارتها الهايلوكس لتوصل بناتها وحفيداتها إلى المدارس. أم محسن تمارس هذه المهمة منذ سنوات بعيدة ولم يعترض عليها أحد أو يضايقها أحد. (طبعا لأنها من القواعد) طبقا لتحليل أحد المعترضين على قيادة النساء للسيارات. وهو تحليل يمكن الاستفادة منه في البدء بالسماح للقواعد من النساء بالسواقة، فحسب ما أقرته النظرية التحليلية تلك، فإن القواعد من النساء لا يتحرش بهن أحد، ومن ثم فإن حجة الخوف من التحرش في حال السماح للنساء بالسواقة، تنتفي. ويستطرد الخبر المنشور عن أم محسن إلى القول إن هناك نساء غير أم محسن يقدن سياراتهن في تلك المحافظة وأن الناس يتعاملون مع الأمر كشيء طبيعي لا يثير الفضول ولا يستدعي التوقف عنده!! بل فوق هذا فإن بعض النساء في المحافظة يعملن سائقات لغيرهن فهن يقمن بإيصال المعلمات والطالبات إلى مدارسهن. وهي فكرة جميلة أن تستلم قيادة سيارات المعلمات والطالبات امرأة، فحادثة سائق حافلة الطالبات، الذي اعترف أنه كان يتحرش بمئات من الصغيرات اللاتي كان ينقلهن، ما زالت حية في الذاكرة يقشعر لها البدن. إذا كان هناك من يعترض على سواقة المرأة للسيارة ويرى فيها (دمارا وفسادا للمجتمع)، فإن هناك على الجانب الآخر عددا من العلماء العقلاء الذين يقدرون المقاصد ويمارسون شمولية التفكير وواقعيته بعيدا عن الأحكام العاطفية المندفعة، وهم لا يمانعون في أن تقود المرأة السيارة متى أقر ذلك من الدولة. مثل ما قاله الشيخ الجليل الدكتور سعود الفنيسان في صحيفة عكاظ يوم الثلاثاء الماضي، من أنه لا يرى مانعا «شرعا من قيادة المرأة للسيارة شريطة أن تكون البيئة صالحة لذلك»، والبيئة الصالحة كما يقول: هي «البيئة التي يتوفر فيها صلاح النوايا واتفاق السلطات التنظيمية وصاحبة القرار على رأي واحد في المسألة وتوضع الأنظمة التي تضمن قيادة المرأة بشكل آمن وسليم وضمن حجابها وحشمتها وواقعها». وكذلك ما قاله الشيخ الفاضل الدكتور خالد المصلح من أن «قيادة المرأة للسيارة تخضع لاعتبارين أحدهما نظامي، والآخر شرعي، وإذا كان النظام يمنع القيادة فلا يجوز اختراقه لأن فيه إسقاطا لهيبته وهو أمر لا يجوز شرعا ولا نظاما، وأن الجانب الشرعي يبيح قيادة المرأة للسيارة لأنه لا يوجد نص لا في الكتاب ولا السنة يحرم ذلك». من خلال آراء أمثال هؤلاء العلماء الأفاضل يتبين أن المجتمع ليس كله معارضا لقيادة المرأة للسيارة، هناك قطاع منه لا يرى مانعا في أن تقود المرأة سيارتها متى كان الأمر مقراً ضمن النظام المعمول به. بقي الآن أن يقول النظام كلمته.