عبد الرحمن الراشد *نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية. بخلاف المجتمعات العربية التي تعاملت مع العالم لقرون، فإن السعودية ظلت بلدا منغلقا لم تدخله فكرة جديدة ولا آلة غير مألوفة إلا بعد لأي شديد. وفي معظم الحالات كانت الدولة هي التي تضطر إلى فرضها وبصعوبة، وأبرز التجارب وأصعبها كان تعليم البنات وسط اعتراضات ضخمة، لكن المدارس فتحت والبنات تعلمن. اليوم رجالات الدولة يفاخرون بأنهم فعلوا الأمر الصحيح ويجدون ثناء صادقا من فئات المجتمع؛ لأن الدولة قالت لا لمنع تعليم المرأة. وفي هذا الشهر علامة مهمة؛ حيث افتتحت في الرياض أكبر جامعة للبنات في المنطقة، بتخصصات طبية وعلمية وتجهيزات متطورة. وتصادف في هذا الشهر أيضا أن منعت امرأة من قيادة سيارة، ضمن منع عرفي تقول الحكومة لم يحن الوقت بعد لرفعه، مع أن كثيرا من الرجال الذين يرفضون الفكرة بدلوا رأيهم لأسباب مختلفة. ففي البلد ثلث مليون سائق، وقيل إن كثيرا من الجرائم تقع مرتبطة بالمنع، وباتوا مقتنعين بأن القيادة حق لمن شاء لا يجوز منعه. فالمرأة في شبه الجزيرة العربية دائما كانت تمارس هذا الحق، أن تقود وسيلة تنقلها بغلا كان أم جملا. الحقيقة أن حسم موضوع المنع تأخر أربعين عاما عن موعده، عندما قامت الدولة بعملية تحديث واسعة، وكل عام يرحل ويؤجل القرار يزيد الأمر تعقيدا. حتى أنه في عام 1990 قادت نساء سيارات في أكبر شوارع العاصمة الرياض، وكان الوضع متوترا باحتلال الكويت، وكانت السعودية في حالة حرب مع صدام العراق. عولج التحدي النسائي بحساسية بالغة، والتقى الملك فهد، رحمه الله، بالسيدات مع أزواجهن، سمع منهن وسمعوا منه. وبعد مرور عشرين عاما، يجب أن لا نتساءل مستغربين: لماذا قادت منال سيارتها؟ بل علينا أن نتعجب: كيف لم تفعل البقية ذلك؟ مر زمن طويل وكبرت السعودية من 14 مليون نسمة إلى 27 مليونا، وكبر معه دور المرأة. ارتفع عدد الجامعات من ثمانية إلى اثنتين وعشرين، وصار في البلاد أكثر من عشرة ملايين هاتف جوال مع النساء، ويوجد أكثر من أربعة ملايين يستخدمن الإنترنت. كما أنه لم يعد منطقيا فتح أرفع الجامعات لتعليم النساء وتدريسهن أرفع التخصصات، وفي الوقت نفسه منعهن من القيادة. المرأة السعودية صار لها دور كبير اليوم، صار لها دور أساسي في بيتها، في إعالة عائلتها، ولها دور كبير في مجتمعها. كيف يمكن أن تكون جراحة قلب في مستشفى وفي الوقت نفسه لا يوثق فيها أن تدير وسيلة نقل بسيطة مثل السيارة، الأكثر نفعا لها في حياتها؟! ربما لدى البيروقراطيين قائمة طويلة من المصاعب في التعامل مع تبعات الحدث، وأنا أجزم أنها تبقى في آخر النهار تفاصيل يمكن معالجتها وابتداع حلول لها، فهذه المسألة تكبر مع الوقت بسبب تجاهلها. إن قيادة المرأة مثل تعليم الفتيات قرار صعب في مجتمع محافظ، ولا أحد يعرف جوانب الموضوع يقلل من إشكالاته، لكن هذا هو قدر الدولة أن ترعى مصالح الناس، والمصلحة العامة تقتضي إنهاء هذا الحظر الذي تأخر حسمه منذ عقود حتى صار مشكلة تكبر على الجانبين.