استوقفتني كثيرًا كلمة جريدة المدينة لعددها الصادر بتاريخ 1752011م، والتي كانت بعنوان «تكريم المرأة السعودية « مشيدة بخطوتيْن عظمييْن تعكسان هذا التكريم ،أولاهما: تدشين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز – يحفظه الله – بنفسه في 1552011م لأكبر مدينة جامعية للبنات في العالم (جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن) شمالي العاصمة الرياض على أرض مساحتها 8 ملايين متر مربع، وبتكلفة تربو عن 20 مليار ريال، وثانيهما: تدشين إحدى المواطنات من قاطني حي أبو الخير الذي يعتبر أحد الأحياء التي تضررت من سيول جدة الأخيرة في اليوم نفسه لأول مشروعات حماية أحياء جدة من أخطار السيول برعاية سمو أمير منطقة مكةالمكرمة الأمير خالد الفيصل نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، معلقة على دلالتهما بقولها: «لا ينبغي أن يغيب عن البال أيضًا في التمعن بهذا المشهد الرسالة التي حملها هذا العطاء الجديد الذي أثبت مدى المكانة المتميزة التي تحتلها المرأة السعودية في خريطة الطريق التي تنتهجها المسيرة السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين بعد أن أصبحت تلك المرأة من خلال ما قدمته من عطاء متميز ونجاح باهر كطالبة وأكاديمية وطبيبة وباحثة وموظفة وسيدة أعمال تشغل مناصب قيادية في وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ، وغيرها من مرافق الدولة ومؤسسات القطاع الخاص، وبعد أن أصبحت تشارك في انتخابات الغرف التجارية، وجلسات المركز الوطني للحوار ومجلس الشورى، إلى جانب عملها في مناصب عليا في الهيئات والمنظمات الدولية. هذا التكريم الملكي للمرأة السعودية يتوافق مع ما يكنه خادم الحرمين الشريفين من مشاعر الأبوة والاحترام والثقة للمرأة السعودية باعتبارها نصف المجتمع، والمواطنة البانية، والموظفة المجدة، وبشراكتها الفاعلة في المحافظة على استقرار المجتمع والمساهمة في بناء اقتصاد الوطن وتمثيلها لهذا المجتمع تمثيلاً مشرفًا يعكس هذا الدور ويؤصل للقيم الإسلامية التي تشكل الأرضية الصلبة للانطلاقة السعودية نحو آفاق التقدم والرخاء.» وهذا ما نتفق عليه جميعًا، فالمرأة في عهد الملك عبد الله حفظه الله ورعاه تحظى بمكانة عالية ،وتكريم جليل، لأنّه يجلها ويحترمها ،ويعرف قدرها، وقد قالها في لقائه التلفزيوني مع شبكة « إيه بي سي» الأمريكية في 14/10/2005م: «المرأة هي أمي، وأختي، وبنتي وزوجتي، أنا مخلوق من المرأة، والمرأة مخلوقة من الرجل»، ولا يرضيه البتة أن تذل المرأة من قبل سائقها، أو من قبل سائقي سيارات الأجرة، أو من قبل زوجها، أوأخيها، أو ابنها لقضاء حوائجها الضرورية كذهابها لجامعتها، أو عملها، أو لمستشفى لتلقي علاجها ، أو لقضاء مستلزماتها الضرورية، وكما ذكر حفظه الله «أنّ النساء في البادية يقدن السيارة لقضاء حوائجهن ،وحوائج أسرهن، فأزواجهن ذهبوا للمدن بحثًا عن عمل». فالذي استوقفني عند كلمة المدينة أنّها تزامنت مع انطلاقة حملة « سأقود سيارتي بنفسي» وياليتها كانت « من حقي ان أقود سيارتي بنفسي» مطالبات برفع عنهن إذلال السائقين وابتزازهم لهن بالسماح لهن بقيادة السيارة والاستغناء عنهم ،ومطالبهن هذه جاءت لحاجة المرأة الملحة لقيادة السيارة ؛ إذ يوجد في المدن أسر بلا رجال، أو رب أسرة كفيف، أو مقعد، أو مريض مسن، ونساء آباؤهن وأزواجهن وأخوانهن وأبناؤهن في أعمالهم ،ومنهم أعمالهم تتطلب منهم التنقل بين المدن ،وبين بلاد أخرى ،فمن يقضى لهن حوائجهن، هل نتركهن للسائقين؟ وهل السائقون مؤتمنون على نسائنا وبناتنا؟ وهل في مقدور كل الأسر تحمل نفقات استقدام سائق، وصرف راتب شهري له؟ وهل كل الناس يقطنون في فلل أو عمائر بها غرف للسائقين؟ وماذا بعد إغلاق الاستقدام من الفلبين وأندونيسيا؟ هل لإرغامنا على قبول شروطهما المجحفة والمُذِلة لنا والتي لم يطلبوها من أية دولة أخرى، لأنّ كل الدول بما فيها دول مجلس التعاون النساء مسموح لهن بقيادة السيارة؟ وكفى نساء السعودية ذلًا من السائقين، وأمامنا المثل واضح في ما جرى للمواطنة السعودية نجلاء الحريري، فقد رمى لها سائقها مفتاح السيارة في وقت ذهاب ابنها للمدرسة، وكان زوجها قد ذهب إلى عمله، أي في وقت هي محتاجة إليه، وسترضخ لمطالبه، ولم يخطر بباله قط أنّها لن تتوسل إليه ليصطحب ابنها للمدرسة، وعندئذ يفرض عليها شروطه، ولكنّها حفظت كرامتها، وكرامة زوجها وابنها، وكرامة كل امرأة سعودية ومارست حقها في حرية التنقل، وقادت سيارتها بنفسها وأوصلت ابنها إلى مدرسته، وهذا أمر طبيعي في كل المجتمعات إلاّ في مجتمعنا الحضري الذي يتعامل مع المرأة بعدم الثقة ،وبسوء النية، ومن المفارقات العجيبة أنّك تجد رجال البادية ،والفلاحين، ومنهم أميون يقبلون قيادة نسائهم للسيارة في البوادي والأرياف، ورجال المدن المتعلمون والمثقفون، ومنهم أساتذة جامعات ،وأطباء ومهندسون ومعلمون ، وأعضاء في مجلس الشورى لا يتقبلون ذلك ،بل نجد مجلس الشورى تحفّظ على مطلب السماح للمرأة بقيادة السيارة موقع من عدد كبير من سيدات المجتمع !!! فالنساء في حملتهن طلبن الإذن بالسماح لهن بقيادة السيارة كنساء راشدات قادرات على فعل كل ماله خير وصلاح للأسرة والمجتمع، من تيسير لشؤون حياتهن و حياة أسرهن بكل احترام لقيم وطنهن الكريم وثوابته الشرعية، مع سن القوانين لتنظيم القيادة النسائية، وفي مقدمة هذه القوانين في رأيي الآتي: التزام المرأة التي تقود السيارة بالحجاب الشرعي، مع ارتداء العباءة وتغطية كامل الرأس والرقبة دون تبرج، وعدم سفر المرأة التي تقود السيارة من مدينة لأخرى إلاّ برفقة محرم لها، أو رفقة مؤتمنة، وعدم قيادة المرأة للسيارة داخل المدن في ساعات متأخرة من الليل بمفردها، ووضع عقوبات رادعة لمن يتعرض لقائدات السيارات بملاحقات، أو معاكسات، مع توفير ورش متنقلة لصيانة السيارات ،تكون تحت الطلب عبر الهاتف.