حينما قادت النساء في موكب يشبه المظاهرة عام 1991م، تحدثت التيارات المتشددة بشكل قاس، أدانت فيه هؤلاء النسوة وألصقت بهن صفات شنيعة، وتحدث دعاة ومشايخ عنهن كما لو كن فعلن فاحشة، واشتعلت البرقيات بشكل هستيري على الديوان الملكي، وتم إصدار قرار بمنع النساء من قيادة السيارة في السعودية. بينما نساء يونيو 2011 لم ينتظمن في قيادة موكب كما فعلت نساء 91م، وإنما أطلقن دعوات في مواقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» و»تويتر» يتفقن فيه على قضاء حوائجهن بأنفسهن، فما الذي تغيّر خلال عشرين عاماً في مجتمعنا؟ أعتقد أن النساء فهمن الدرس جيداً، وامتلكن إرادة شجاعة، فقد قمن بقيادة سياراتهن لقضاء حوائجهن، هذه ذهبت إلى السوبر ماركت، والأخرى في زيارة لوالدتها، والثالثة أرادت أن تتأكد أن الأمر عادي، تنوعت مدنهن وأماكن سيرهن، ولم يسرن في خط واحد، من الرياض إلى جدة، ومن الظهران إلى مكة، صحيح أن الدعوة لقيادة السيارة لم تتحقق كما حلمن بها، لكن المبادرة من هؤلاء النساء الشجاعات هو أمر مهم، ولعل الموقف المجتمعي منهن الآن أصبح أكثر هدوءاً وعقلانية، فأمر قيادة المرأة لسيارتها هو أمر شخصي جداً، من أرادت أن تفعل وتقضي حوائجها وتذهب إلى عملها بنفسها فلتفعل، ومن أرادت أن تبقى مع سائقها فلن يجبرها أحد على أن تفعل خلاف ذلك. الجميل في الأمر، أن أصوات 91م الغاضبة، والتي هاجمت النساء آنذاك، كسلمان العودة وعايض القرني، قد تغيرت نظرتها الضيقة تلك وتفتحت، فالأول أصبح يرى أنه لا بأس في أن تقود المرأة سيارتها، والآخر يقول بأن تحريم قيادة المرأة للسيارة لا يستند إلى دليل.. بمعنى أن النظرة الآن أصبحت أكثر وعياً وفهماً، حتى على مستوى الإنسان العادي، أي أن النظرة المجتمعية أصبحت أكثر تحضراً، ولاشك أن الموقف الرسمي أسند إقرار هذا الأمر إلى المجتمع وقدرته على تجاوز تقاليده وأعرافه القديمة. كنت تمنيت ألا توصف جمعة 17 يونيو، بجمعة الغضب، كما وصفتها بعض المواقع والمنتديات والصحف الأجنبية، بل هي جمعة الحاجة، لأن هؤلاء اللواتي خرجن يوم الجمعة الماضي، وكما صورتهن كاميرات موقع اليوتيوب، لم يكن غاضبات ولا متهجمات على أحد، بل كانت كلماتهن واعية جداً، ولباسهن كان شرعياً كما هن في جميع أحوالهن سواء كن مع محارمهن أو مع سائقيهن الأجانب، ما ظهر كن نساء منقبات أو متحجبات، يتحدثن بهدوء وراحة، من أنهن يقدن سياراتهن بسبب الحاجة، وليس حباً في قيادة السيارة، ولا رغبة في الزحام، أو مجرد خوض التجربة، بل باختصار: أنهن لا يردن الاعتماد على السائق الأجنبي، بل يردن قضاء حوائجهن والتسوق والذهاب إلى العمل بأنفسهن. إذا كان الأمر مرتبط كما صرحت أكثر من جهة مسؤولة، بتقبل المجتمع لفكرة قيادة المرأة للسيارة، فأعتقد أننا تغيرنا في عام 2011 عما كنا عليه قبل عشرين عاماً، وأن الأمر أصبح ملحّاً وضرورياً لأن يمنحن هذا الحلم، وهذه الثقة. أظن أن عشرين عاماً كافية لأن نتغير، وأن قرناً جديداً نعيش فيه يحتم علينا أن نكون أكثر تحضراً واحتراماً لإرادة المرأة!.