«إن حزناً ساعة الموت... أضعاف سرور ساعة الميلاد».. يضاف إلى ذلك أن مَنْ أخذته ساعة الموت ليس بحاضر لأشهر تدرّجت به حتى فقد وعيه وإمكانيات تحرّكه قبل أن يفقد حياته.. عندما يملأ الإنسان مراحل حياته بقفزات النجاح الشريفة.. الواعية.. المجدّدة في فكر غيره.. ومحاط كل ذلك بإعجازيات كفاءة الخروج من نجاح عُرف عنه إلى مرحلة نجاح أعلى تضيف معرفة التجدّد والتطوير المتواصل في حياته.. عبدالله بن خميس.. لن أعطيه أي وصف إبداعي أو يميزه، وكأنني مَنْ يمنحه ذلك، أو كأن المجتمع أو الدولة بذكاء علاقات عنده قد أوجدت صفات تمييز تسبق اسمه.. لقد أتى باسمه الخاص وخرج بمثل ما أتى، وبينهما كان له تميّز انفرادات النجاح.. إن عبرة ساخنة اعتلجت داخل القلوب والناس ترى مشوار الغياب الأبدي لرجل لم تقعده أمية المعرفة في بداية شبابه ولم تعزله محدودية كفاءة المهنة في تلك الفترة، ولكنه.. وقلائل مَنْ يفعلون ذلك.. يبدو وكأن الزمن يوزّع بينها عبر مسافات زمنية طويلة بمشروع نفسي وعقلي داخل كيانه، قرر أن يفارق الأمية، ثم يلج مسارات الثقافة حتى بلغ ذروة تفوّقها.. وأن يأتي بعد تأهيل ذاتي إلى ميدان الصحافة فيطلق مجلة «الجزيرة» باسمه ولا يقبل أن تكون صوت مناداة لذاته عند الآخرين، ولكنه جعلها ميدان تنافس وصالة تعارف ومنطلق تطوير ثقافي ومهنية صحفية جديدة على ثقافة ذلك الوقت.. مَنْ يتأمّل تنوّع مسار حياة المرحوم عبدالله بن خميس يجد أن الرجل الذي أهّل نفسه بانفرادية طموح وتثقيف جمع بين تنوّع ثقافي متميز، حيث إذا كان قد أسّس منطلق إعلان؛ فهو أيضاً قد أصبح يمثل مرجعية ثقافية للشعر العربي المألوف، وبخصوصية أكثر للشعر النبطي الرائع، الذي أخذ يختفي مع توالي السنين.. وكان الذين يتابعون معه برنامج «من القائل» بالآلاف، لأنه مما لا يتوفر حالياً لأي برنامج مثير.. رحم الله الرجل المتميز سلوكاً وعلماً وعلاقات وثقافة.. الرجل الذي لا تبالغ إذا قلت إنه كان صديق الجميع، وأيضاً لا تبالغ إذا قلت إنه في ذهابه المحتوم - رحمه الله - هو أيضاً فقيد الجميع..