يحيي الفلسطينيون اليوم ذكرى النكبة وهي ذكرى أصدرت الحكومة الفاشيستية الإسرائيلية قانوناً يمنع أهل البلد الأصليين من تذكرها وينص على عقوبات لمن يفعل. هي نكبات لا نكبة واحدة، ففي 1948 احتل فلسطينَ يهودٌ أوروبيون من الخزر وقتلوا من أهلها مَن قتلوا، وأرغموا حوالى 600 ألف الى مليون آخرين على الهجرة، وبعد احتلال 1967، أو النكبة الثانية، وحتى اليوم اضطر ربع مليون فلسطيني الى مهاجرة الضفة الغربية أو أُرغموا على ذلك، وأرقام رسمية إسرائيلية تتحدث عن نكبة ثالثة فقد سحبت إسرائيل منذ احتلال الضفة تصاريح إقامة 140 ألف فلسطيني فيها، فالفلسطيني الذي يغادر الضفة يمنع من العودة اليها، مع ان يهودياً من روسيا يسمح له بالاستيطان فيها، ويهودياً من مولدافيا قد يحمل جنسية إسرائيل من دون أن يسكن فيها يوماً واحداً. ليس جميع الإسرائيليين أو اليهود بنيامين نتانياهو أو أفيغدور ليبرمان أو ايلي يشاي، وعشية الذكرى الثالثة والستين للنكبة دافع اسرائيليون كثيرون عن حقوق الفلسطينيين، كما انتصر لهم يهود حول العالم، خصوصاً في الجامعات الغربية حيث يشكل النشطون اليهود جزءاً أساسياً مؤثراً من الحملات لمقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها. أختار اليوم للحديث عن اثنين من أبرز أنصار الفلسطينيين بعد أن كانا في الأخبار طوال الأسبوع الذي سبق ذكرى النكبة. ربما كانت قلة من العرب سمعت اسم توني كوشنر، وربما كان أكثر الذين يعرفون الاسم من بين هؤلاء سمعوا به عن طريق الفيلم «ميونيخ» الذي أثار ضجة عندما عرض سنة 2005 لأنه أظهر الكوماندوس الإسرائيليين وقد تملكهم الندم على قتل المسلّحين الفلسطينيين الذين نفذوا عملية الألعاب الأولمبية في ميونيخ سنة 1972 التي انتهت بقتل رياضيين إسرائيليين. كوشنر كاتب مسرحي فاز بجائزة بوليتزر وهو أصبح «خبراً» تناقلته الميديا الغربية في الأيام الأخيرة بعد أن رشح لدكتوراه فخرية في جامعة مدينة نيويورك ورفض مجلس أمناء الجامعة في البداية منحه الجائزة بتحريض عضو ليكودي في المجلس اسمه جيفري وايزنفلد اتهمه بأنه يهودي يكره إسرائيل، وله مواقف لاسامية ضدها. الليكوديون من إسرائيل الى أميركا، مروراً بأوروبا، رحبوا بحجب الجائزة وكتبوا بحقد عن كوشنر وأمثاله، غير أن الحجب أثار عاصفة أكاديمية مضادة، ويوم الإثنين الماضي اجتمعت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمناء وصوتت بغالبية ستة أعضاء مقابل واحد بنقض القرار السابق ومنح كوشنر الدكتوراه الفخرية. أنصار الكاتب قالوا إن منحه الجائزة لا علاقة له بآرائه السياسية، وهو كان ثابتاً على مبادئه، فبعد التصويت الأول بالحجب أرسل الى إدارة الجامعة رسالة أصر فيها على أن إسرائيل تمارس التطهير الإثني ضد الفلسطينيين الذين رأى انهم يتحملون العبء الأكبر من مصائب الشرق الأوسط. رئيس مجلس الأمناء بينو شميت اعترف بأن التصويت الأصلي كان خطأ في المبدأ وليس في السياسة فقط، وأنصار كوشنر يطالبون الآن بعزل وايزنفلد الذي وقف ضده لأنه لا يستحق أن يكون عضواً في مجلس الأمناء. والمواجهة انتهت بهزيمة أنصار إسرائيل أمام يهودي ينتصر لحقوق الفلسطينيين، وقد تظاهر في نيويورك سنة 2009 احتجاجاً على اجتياح إسرائيل قطاع غزة. ومن نيويورك الى غزة، فالمايسترو الإسرائيلي الأرجنتيني الأصل دانيال بارنبويم حمل الى القطاع المحتل 25 عازفاً من أشهر أوركسترات أوروبا لإحياء حفلة موسيقية كلاسيكية في نادٍ ثقافي على الشاطئ هي الأولى من نوعها في غزة. كنت أتمنى لو أن الصديق العزيز الراحل ادوارد سعيد كان حياً ليحضر الحفلة، فقد كان من ضمن مواهبه المتعددة أنه عازف بيانو من مستوى كونسرتو عالمي، وهو أسس مع بارنبويم ديوان الشرق والغرب للتقريب بين الأطفال عن طريق الموسيقى. مواقف بارنبويم من الفلسطينيين ونكبتهم ومعاناتهم المستمرة هي من نوع مواقف كوشنر، وهو خاطب الحضور في غزة بالقول «أنا فلسطيني»، ثم أكمل قائلاً «أنا إسرائيلي»، وأضاف ان بالإمكان أن يكون الإنسان الواحد فلسطينياً وإسرائيلياً وأن يعيش الشعبان معاً جنباً الى جنب بدلاً من ظهر الى ظهر. اخترت في ذكرى النكبة ان أتذكر معها يهوديَّيْن كانا في الأخبار خلال الأسبوع الماضي، وأن أذكر معهما كتّاب «هاأرتز» مثل جدعون ليفي واكيفا إلدار، والإسرائيليين الذين دافعوا عن بائع كتب فلسطيني في القدس سُحبت إقامته، ودعاة مقاطعة إسرائيل في الغرب، ونوريث بيليد ودعاة السلام مثلها الذين يطالبون بحقوق الفلسطينيين بحماسة أصحاب البلد الأصليين أنفسهم.