د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي - الجزيرة السعودية عاد صاحبُنا من «المُغترَب» متأبطًا شهادته العالية التي أهلته ليكون مديرًا، ومن عُجبه بنفسه اشتكى موظفيه لأنهم لا يقومون «لسعادته» حين يدخل المكتب عليهم؛ فمدَّ «أبو حنيفةَ» رجله، وعرف أنْ «ما كلُّ بيضاءَ شحمة». قاده تأهيله «النظريُّ « لما هو أعلى، ونسينا حكايتَه أو كدنا، لولا أن استعدناه في حكاياتٍ مشابهةٍ ترسمها مواقفُ مختلفةٌ لثللٍ تمتلك ذكاءً اجتماعيًّا أعلى من صاحبنا وإن انتهجت ممارستَه ذاتَها ؛ فمن يلتزم «بشته» في المناسبات غاديًا ورائحًا فإنه يعلن عن رغبةٍ في أن يحتفيَ به القومُ إجلاسًا وتصويرًا وتصريحًا، والمسؤولُ الذي يُجزعُه النقدُ فيفزعُ للأنظمة صورةٌ أخرى للبناءِ الهش، وثلاثتُهم يستمدون قيمتَهم من الخارجِ يعلو بهم إن شاء أو يضعهم. لن يسعد من يقوم له الناس إجبارا، ومن يخشون سلطته وسطوته، ومن تتقدم به هيئتُه ومظهريتُه، وفي المناسبات العامةِ قد نستقلُّ من حقُّه الاستكثار حين لا يزاحمُ على الصفوفِ الأولى، ووعينا من لا يشفعُ لهم فكرٌ أو ذكر وهم يتصدرونها لانطباق شروط «اللعبةِ» عليهم. ومن الإنصاف هنا أن نُقرَّ بآلام النقد «المُشخصن» و»المُؤقلم» و»المتحيِّز»، لكن الوعيَ يحول دون استعداء مادةٍ في نظام أو موقعٍ في منظمةٍ، وهو ذاتُه كفيلٌ بالتوجه نحو الرد المهادن، وكذا نتطلع لأن يفهمَ الناقدُ والمنتقد دون استجلابِ حصانةٍ أو نشر تخويف. وحين نتجاوزُ الشخوصَ للتيارات، وهي شبيهةٌ بالأحزاب ولو أنها غيرُ معلنة، فإن امتلاك المنابر من طيفٍ يعلو صوتُه لا يعطيه الحقَّ في التحدث باسم الجميع إلا حين يوافَقُ على مشروعِه في استفتاءٍ «شعبيٍّ» يبررُ مطالباته بإلغاءِ إجراءاتٍ أو طرحِ سواها؛ فحقُّه أن يقول دون أن يفرضَ ويفترض؛ فيظنَّ الناسَ وراءه، أو أنه الناطقُ الرسميُّ عنهم. ومثلما لا تكفي ورقةٌ أو لقب أو بشتٌ أو مادةٌ لضمان الهيبة والاحترام فإن نبرةَ الصوت والتهديد َبالسوط لن تجعل مشروعًا يتسيَّد وآخر يتبدد؛ فالشارع الصامتُ لم يقل كلمته، ولو هيئت الأسبابُ له لسماع مناظراتٍ موضوعيةً هادئةً لارتاح الصوتُ والسوط معا، ولعمل المسؤولُ وفقًا للتفويض الرسميِّ والشعبيِّ لا وَفقَ رؤيةِ تيار لا يُؤمن بالحوار. طال النقاشُ حول أنظمة الرقابة «قَبليِّها وبَعْديِّها»؛ وهو نقاشٌ سيوصلُ لفهم مدلولات المباحِ والمحرم في الوسائط الرسمية، أما الإعلام الجديدُ المتكئُ على التبدل والتلون واستحالة الجزم بشخوص الكتبة وسهولة التحايل على المعرفات فإن الطريق الأيسرَ هو ترك الباب مُشرعًا أمام انتقاد الوظيفة العامة الدينيةِ والمدنية، وقد ظنَّ ناسٌ «سُمِّيَّةَ لحوم العلماء» حديثًا شريفًا ثم تبينوا أنها مقولةٌ لابنِ عساكر فأدركوا أن كلا يؤخذُ منه ويرد عليه إلا صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم. ومعايشو التجربة الصحفيةِ يعرفون كيف يمرُّ النقد «حتى القاسي منه» بردًا وسلامًا على الواثقين بمكانتهم دون أن يعتبوا على من كتب ومن نشر، وكيف يغضبُ آخرون على المطبوعةِ ومسؤوليها لتمريرهم ما يعُدُّونه مسًّا بمقامهم، وأولاء - في معظمهم - ذوو ثغرات. النقدُ مراجعةٌ وتطوير.