باغتني وافد وقف معنا على جانب الطريق الواصل بين أبها وجيزان بسؤال «مكسر» ونحن نشاهد عربات الجيش السعودي تهبط لردع المتسللين بحر الأسبوع الماضي: من هؤلاء وأين يذهبون ولماذا؟ هذا سؤاله بعد إضافة التحسينات. شعرت للوهلة الأولى أنني محلل سياسي من نوع أولئك الذين يشعرونك بأنهم يبيعون الذهب وهو في الأصل طماطم، حاولت أن ألخص له الإجابة بلغة مكسرة يفهمها هو فلم استطع. نحن هنا تعلمنا جيدا ألا نتكلم إلا بلغة كاملة واضحة شفافة، نحن لا نتكلم نصف لغة ولا نصنع نصف أفعال، صوتنا مسموع لا مبحوح ولا صراخ؛ وهذه هي جملة مبادئنا تشربناها ممن ولي أمرنا. أما سؤاله البريء، فلم أستغربه؛ فقط لأن الجيش الذي شاهدناه للتو، وعلى الرغم من تجمعه بآلاف المعدات على بعد كيلو مترات قليلة منا طيلة سنوات إلا أن أحدا لم يلمح يوما عربة مدرعة أو دبابة تعبر الطريق أمامه؛ فالدولة التي تتكئ وبقوة على سياسة نافذة ومؤثرة، لا تحتاج لأن تحرك جيشها في الشوارع كلما هبت نسمة تهديد، ولا تبقي على جيشها رائحا غاديا كل بضعة أشهر؛ وعندما تشاهد منطق استعراض القوة يطغى على تصرفات أحد ما، فتأكد أن تلك ليست سوى محاولة يائسة لتغطية عجز إدارة الأمور بالعقل. نحن هنا ننتفض إذا ما مس شبر من أرضنا، ونترك كلام من يهذي تذروه الرياح مع الأيام. أصعب مهمة يقوم بها عدو ما هي مهمة استثارة الجيش السعودي، ليس لبرودة أعصاب الأخير، ولكنها حنكة السياسة ذات العقل المتزن التي تقف أمامه تماما في الصف الأول كلما حاول أحد استثارة سلاحه، تحاول أن تمسك زمام الأمور، وتعيد ترتيب الأوراق، وتوجه رسائل أن السلم أسلم، ولكن دون تجاوز الحدود أو التخلي عن عزة النفس، وإذا ما فاض الكيل بالسياسة، ولا يحدث ذلك إلا بعد ما تنتهك الحدود، يصبح ثقل السياسة يحتاج إلى قوة السلاح، فتسحب السياسة السلاح معها إلى الصف الأول، حيث السلاح أصدق إنباء بالكلام. أقيس قوة السياسة وجدواها بالجيش، وهذه علاقة رياضية طردية: كلما زادت قوة السياسة قلت الحاجة إلى استخدام الجيش، على أن العكس ليس صحيحا دوما، فقد تزداد قوة الجيش، ويحتاج في الوقت ذاته إلى الاعتماد على قوة السياسة. حاولت أن أفهمه بلغة مكسرة فلم أستطع، فتركته يتأمل صامتا، فالرسائل الواضحة تصل دون كلام أو فعل. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 245 مسافة ثم الرسالة