د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري - الاقتصادية السعودية التحدي التنموي الحقيقي الذي نواجهه وسنواجهه بوتيرة أعلى هو عمل المرأة وحاجتها إلى الدخل وإصلاح أمورها الحياتية والأسرية، خصوصا أنها أصبحت مسؤولة في أغلب الأحيان عن نفسها وأسرتها وربما والديها وإخوانها حتى زوجها. والمطلع على المتغيرات العملية والوظيفية في السعودية خلال العقدين الماضيين يلاحظ ازدياد دخول المرأة لسوق العمل، وأن تعلمها أصبح للبحث عن فرص العمل، والهدف الأساسي للعمل تحقيق دخل أساسي أو مساعد على شؤون الحياة، والمراقب لهذا التغير في حياة المرأة السعودية وخروجها للعمل يلاحظ أن هذا الخروج للعمل يترك عديدا من الآثار السلبية في المنزل والأسرة والمجتمع ثم ينعكس بشكل أكثر سلبية على الدولة بشكل عام، هذا الأثر السلبي يتمثل في ضعف العلاقة الأسرية، وأن الزوجين يصبحان مشغولين عن البيت والأطفال، ثم هذا الانشغال يضعف حسن الرقابة والمتابعة على الأطفال والمنزل، ما يضعف العلاقة الأسرية ويؤدي ربما إلى تدهورها، ما ينعكس سلباً على المجتمع وعطائه وارتفاع نسبة المشكلات الأسرية وتأثيرها في الكثير من المشكلات الاجتماعية والأمنية الاقتصادية. لقد كان للمملكة دور بارز ومهم خلال مؤتمرات الأممالمتحدة لوضع أجندة القرن الحالي منذ أوائل التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، عندما نجح الوفد السعودي في جعل الأممالمتحدة تعتمد اعتبار المرأة العاملة في منزلها ضمن نسبة العاملات ورفعها من نسبة العاطلات عن العمل، هذا الإنجاز حقق ويحقق وسيحقق الكثير من المكاسب التنموية الاجتماعية، ويقلل من إبراز الأرقام والإحصائيات السلبية عن مواقف الدول من عمل المرأة على أساس أن المرأة التي تعمل في منزلها، سواء في تربية الأبناء أو رعاية الزوج أو الوالدين أو غيرها من الأنشطة الأسرية أو الاجتماعية، فإنها تعتبر عاملة منتجة ودورها مثل أو أهم من المرأة التي تذهب إلى العمل في مواقع خارج منزلها، هذه الفئة من النساء العاملات المربيات الحاضنات لمنزلهن ومن يعيش فيها هن صمام الأمان والاستقرار للأسرة ثم المجتمع ثم الدولة، ولعل خير مثال يمكن أن يوضح أهمية عمل المرأة في منزلها قدرتها على مراقبة ومتابعة تصرف أبنائها من الجنسين بعد عودتهم من مدارسهم، وقدرتها على ملاحظة أي خلل في السلوك، ومن ذلك مثلا استخدام المخدرات. وتشير بعض الدراسات العلمية الاجتماعية الميدانية إلى أن الأم العاملة خارج منزلها تواجه صعوبة بالغة في قدرتها على الاهتمام الكامل بأبنائها وزوجها، وأن أغلب هذه الأسر يتعرض أبناؤها من الجنسين لبعض السلوكيات المنحرفة، منها استخدام المخدرات، وربما ترويجها دون وجود الرقيب المنزلي، ويتم اكتشاف ذلك من الوالدين، خصوصاً الزوجة، في مراحل متأخرة، أو يتم اكتشاف الاستخدام أو الترويج من الأجهزة المعنية. وفي المقابل الزوجة الموجودة في المنزل في الغالب أقدر على مراقبة ومتابعة وحسن تربية الأبناء من الزوجة العاملة خارجه، ويضاف إلى ذلك أيضاً ضعف العلاقة الزوجية بسبب خروج الزوجة من المنزل للعمل وصدق الله القائل ""ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الآية. لقد جعل الله سبحانه وتعالى الزوجة سكنا للزوج والأسرة، والسكن هنا يعني كل المعاني الراقية للمعنى ومنها الطمأنينة والراحة والأمان والاستقرار. هذا الاختلال الأسري والعملي وحاجة المرأة إلى الدخل يتطلب إعادة النظر في وضعها من خلال دراسة وضع راتب أو مكافأة لكل أم متعلمة قررت البقاء في منزلها من أجل زوجها وأبنائها، والعمل على رعايتهم والاهتمام بهم، وجعلهم مواطنين صالحين منتجين، هذه الخطوة متى ما تم الاهتمام بها واحتضانها ورعايتها ستحقق العديد من النتائج الإيجابية للفرد والأسرة والمجتمع والدولة بشكل عام ويضعها على المسار السليم لإيجاد رؤية اجتماعية اقتصادية تحقق الخير للجميع. إن قرار وضع راتب أو مكافأة للمرأة المتعلمة الراغبة في العمل في منزلها ورعاية زوجها وأطفالها ومن يقع تحت مسؤوليتها قرار يستحق الدراسة والتعمق في آثاره الإيجابية، وإذا كان هناك أي آثار سلبية فيمكن دراستها ومعالجتها، لكن حسبما تسمح به هذه المقالة، فإنني أرى الكثير من الخير المباشر وغير المباشر لعمل المرأة في منزلها، وبما أننا نجحنا في المملكة في جعلها ضمن نسبة العاملات في دراساتنا الاجتماعية، فإنني آمل أن تنجح في جعلها ضمن القطاع الاقتصادي المنتج، ونضع لها الحوافز المادية التي تدفعها إلى العودة لمنزلها، والعمل على إعادة ترميمه وبنائه البناء الإسلامي الإنساني السليم المحقق لرسالة الإسلام من جعل المرأة الصالحة سكنا لزوجها وأبنائها ومن ترعى من أسرتها. دعونا نفكر في تطوير منهجية لعمل المرأة في منزلها، أما المرأة العاملة من منزلها وخارج المنزل فلي عودة إلى هذا الموضوع إن شاء الله وفق الله الجهود التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح. وقفة تأمل قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ""إن لهذا الخير خزائن، ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر مغلاقا للخير"".