حقيقة أننا كمثقفين خليجيين، وعرب لا نريد أن نقف نتفرج مكتوفي الأيدي أمام ما جرى وما يجري في بلدنا الثاني البحرين دون أن يكون لنا وقفة حب وصدق، وعقلانية، وتآخي، وكلمة حق لا يراد بها باطل. فنحن نعلم أن حكومة هذه البلد وشعبه كانا متلازمان منذ نشأتها وخروجها من براثن عهد الاستعمار، وأن الشعب كان دوما حرز الحكومة ودرعها ووعيها وعينها وذراعها وبصرها وسمعها. ولا نتخيل كيف يمكن أن ينكر الجسد عقله وكيانه وحواسه، وأن يستعديها. فكانت الفتنة غائبة نائمة، وإن كانت تصاب بين الحين والآخر بلحظات وعي مشوش يجعلها تتحرك بعشوائية في مرقدها ثم تعود للنوم، ولكنها في هذه المرة نهضت مفزوعة، وحركت أطرافها بعنف فتجرحت، وأدمت زوايا محبتها وعكرت هدوئها. والفتنة القميئة إن حصلت، فتلك فرصة ذهبية لا يمكن للأشرار ذووا النفوس الضعيفة أن يفوتوا فرصتها، التي لا تتكرر. ونحن كأخوة للبحرين نتمنى أن تقطع الحكومة والشعب أي حبال متشابكة وأي خطوط ملتوية قد تسمح للمستفيدين بالدخول بقوة للأرض البحرينية، لتنفيذ أجنداتهم، التي لا يمكنهم أن ينفذوها إلا بوجود المدخل، والمدخل للأسف سيكون حرم الوطن البحريني ودم الشعب وحرمته. حاولوا كشعب وحكومة أن تفهموا كيف أنكم كبلد صغير مهددون من نوايا تعاطف إيران، والتي تريد من خلالكم أن تبعد الأعين عنها وعن ثورتها الداخلية وعن مُولدها وعن أسلحتها وتسلحها. وحاولوا كشعب وملك أن تعرفوا بأن الولاياتالمتحدة ترغب في استخدام بلدكم للمرور إلى إيران، بجر شكلها، من خلالكم، حتى تقوم بخطوة غبية على أرضكم تحلل لها أن تضربها ضربة عالمية من خلالكم. والدرس لم ينتهي بعد، فما حصل بين العراق والكويت قصة شبيهة، والسيناريو رغم الفروق يتكرر. فهل ستعميكم الدنيا عما يحدث، وهل ستتقاتلون فيما بينكم بحجة اختلاف المذهب!؟. والمذهب مختلف منذ قرون عديدة، والدين يسر، ولا يمكن لأحد أن يسيطر على أحد لتبديل مذهبه، ولا يحمل أحدا وزر أحد في خياراته الدينية، وكل كالشاة معلق من عرقوبه. وانظروا إلى مصر العزيزة مثلا وعبرة، كيف أنها ورغم وجود دينين مختلفين على أرضها، إلا أنها بمحبة شعبها للثرى والتاريخ، تمكنت من سد كل الفرج، وردم مواطن الخلل، واجتمع فيها أهل الصليب والهلال ليقفوا جميعا في صف واحد لا خلل فيه ولا خيانة، من أجل الوطن، ولا شيء غير الوطن. ونحن نعلم أن ملك البحرين قد تقدم ببعض الحلول والإصلاحات، ولو أنها قد جاءت متأخرة بعض الشيء، إلا أننا نؤمن بأنها ستكون الحل الأمثل للجميع، ونحن جميعا نطالبه من أجل وطنه وشعبه، بأكثر من ذلك، وبأسرع من ذلك، وبأوضح من ذلك. ونطالبكم أنتم أيضا يا شعب البحرين الكرام، بالكثير من الوعي، وبالكثير من التسامح والتضحية، والترابط، ونسيان الماضي، وكثير من الصبر والوعي، فالنية موجودة بالإصلاح السياسي، وهذا هو الحل الأمثل حيث أقل وأهون الأضرار. ونطالب المثقفين والمشايخ المعتدلين من الطرفين بأن يتمكنوا من تعدي الأزمة بتعقل، ومن اتقاء شر الموجة الكاسحة، وأن تكون عقولهم أكثر سلاما ومحبة، وأكثر تفهما ورقيا، وأن يسعوا في الأرض خيرا ووئاما ومحبة، لرتق الفتق، الذي أحدثته العصبيات، والفوضى، والرؤية المختلة، وغياب العدل. يا حكومة البحرين ويا شعبها العزيز، أضربوا لنا مثلا عظيما بقدرتكم على الحب، وعلى احتواء الأزمة، وعلى الترقي، والتحضر، وعلى صيانة مستقبلكم وتاريخكم، وشبابكم، وثراكم، ومنع كل من تسول له نفسه باستخدام دمكم وطينكم ومعطياتكم لتنفيذ مآربه الخبيثة، أيا كان. وفي الختام أدعو أخوتي مثقفي الخليج والعرب أن يؤازروا دعوتي هذه، فلعل وعسى.