لا يوجد "بشر" يرى ويسمع المشاهد المروعة التي تحدث للشعب الليبي على يد الطاغية معمر القذافي وعصابة أبنائه إلاّ ويقشعرّ بدنه، من بشاعة المشهد، وحجم الاستهتار بالدماء، واستخدام العنف المفرط ضد شعب أعزل في أغلبه، وتدمير المساجد، وقتل الأطفال لإرهاب أهليهم. ومن ميزات اللحظة التاريخية الحالية أن الإنسانية أصبحت تملك أدوات تغطية ومتابعة حيّة للوقائع والأحداث بالصوت والصورة لتُنقل إلى العالم كله عبر البثّ الفضائي، ليتابع لحظة بلحظة ما يقع. نساء وأطفال وشيوخ يُقصفون بالمدفعية الثقيلة والطائرات والدبابات من قبل كتائب أولاد القذافي وعصابات المرتزقة، ويتم سحق ثورة الشعب الليبي في ظل انعدام التكافؤ في السلاح الذي أُغدق على الطاغية، والأسلحة البسيطة التي حصل عليها الشعب الليبي بعد انضمام بعض كتائب الجيش للأهالي، وفي ظل دعم أصبح علنيًا من شركات "إسرائيلية" متعهدة في تسويق المرتزقة من إفريقية وشحنهم إلى طرابلس وسبها، وقد اعترف بها تفصيليًا الإعلام "الإسرائيلي". في ظل مثل هذه الهمجية والوحشية التي يمارسها نظام لا يأبه بآدمية ولا بقانون ولا بأخلاق، يصبح من الضروري بمكان أن يتنادى العالم إلى إنقاذ الشعب الليبي من براثن تلك العصابة الدموية، ويصبح التدخل الدولي ضرورة قصوى لحماية المدنيين، وقد أحسنت دول عربية كثيرة باتخاذ موقف جادّ مبكر جدًا من تلك الوقائع الدموية، وكان في طليعة هؤلاء دول مجلس التعاون الخليجي التي اتخذت قرارًا أخلاقيًا شجاعًا يناشد المجتمع الدولي التدخل لحماية الشعب الليبي ووقف حرب الإبادة التي يقوم بها نظام القذافي وأبناؤه ضدّهم. وقد كان لهذا الموقف أهميته الكبيرة في دفع جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع عاجل على مستوى وزراء الخارجية العرب من أجل النظر في الفكرة ذاتها، وقد انتهى الاجتماع فعلاً إلى إقرار الطلب، ومناشدة مجلس الأمن القيام بمسؤولياته لحماية المدنيين في ليبيا وسرعة فرض حظر جوي على طائرات القذافي التي تصطاد الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، وكأنهم غزلان في البراري. تلكَّأ مجلس الأمن، ودخلت الكثير من حسابات المصالح، وصفقات السلاح المفتوحة وصفقات النفط الممتدة، وهو ما أتاح الفرصة للقذافي في ذبح المزيد من الأطفال والنساء والأبرياء، لكن المجتمع الدولي بدا عازمًا على التدخل؛ لأن الكارثة واضحة لكل ذي عين، والعالم أمام فضيحة يصعب السكوت عنها، والقذافي لا يعبأ بأي شيء، ولا يحترم إلاّ لغة القوة والسلاح، ولذلك هو يواصل ذبح شعبه حتى عقب صدور قرار مجلس الأمن، وكأنه يستهتر بالمجتمع الدولي كله. المجتمع الدولي بحاجة إلى دعم عربي، معنوي بالأساس؛ لأن القدرات العسكرية الدولية لا تحتاج لمعاونة عربية، ولكنه الدعم المعنوي والأخلاقي، وهو ضروري للغاية، كذلك هناك الدعم المالي لتغطية نفقات تلك العمليات الحربية المتوقعة، وأتمنى أن تبادر دول مجلس التعاون الخليجي لإكمال موقفها الأخلاقي تجاه محنة الشعب الليبي، وأن يكون لها دور فعّال ومشجّع لتحمّل جزء من تكاليف تلك العمليات؛ لأن الذي يُراق في تراب ليبيا هو دم آلاف المسلمين، وحرمة هذا الدم عند الله أعظم من حرمة الكعبة المشرفة حماها الله، وسوف يحمل الشعب الليبي، ومعه كل شعوب العرب والمسلمين هذا الجميل وذلك الموقف النبيل لدول الخليج العربي على مرّ الأيام. كذلك فإن مصر تحديدًا أمام مسؤولية تاريخية أمام العرب وأمام الشعب الليبي، مصر هي العمق الإستراتيجي الأساس لليبيا، ومصر هي سند وظهير الشعب الليبي المباشر، والليبيون ينظرون اليوم بعتاب صامت إلى مصر وقواتها المسلحة. صحيح أنها مشغولة باستحقاقات مرحلة داخلية مضطربة وحساسة، لكن ذلك لا يمنعها من أن يكون لها دور أكثر فاعلية وصراحة ومباشرة في دعم صمود الشعب الليبي وحمايته من تلك الهمجية من القذافي وأبنائه المترعين عنجهية وكبرًا، ولا يتوقفون عن شتم العرب وجامعتهم وكل ما ينتمي إليهم علانية. إن العرب مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يكون لهم دورهم الفعّال لإعادة الوجه الأخلاقي للمجتمع العربي ولجامعة الدول العربية، ولن يتسامح التاريخ مع أحد وقف متفرجًا على تلك المذابح التي تقع لشعب مسلم على مرمى ومسمع منه ومن العالم دون أن يحرّك ساكنًا، أو دون أن يكون له موقف جادّ وفعّال داعم للشعب الليبي الصبور الذي عانى محنة هذه العصابة أكثر من أربعين سنة، من الذلّ والقهر والإفقار والقتل والتنكيل.