حزمنا حقائبنا إلى الرياض أنا ومجموعة من صديقاتي من كاتبات، وشاعرات، وناقدات، بناءً على دعوة كريمة تلقيناها من معرض الرياض للكتاب، وفينا من لها إصدار جديد لتوقيعه هناك للقراء، وحتى لو لم نتلقَ دعوة فنحن تعودنا الذهاب إليه للإطلاع على آخر الإصدارات وشراء ما نريده من كتب، وحضور الفعاليات المصاحبة له من محاضرات، وأمسيات شعرية، وغيرها من الفعاليات المقامة على هامش المعرض، وما أن وطأت أرجلنا أرضية المعرض حتى فوجئنا بطوابير، ممن يسمون أنفسهم بالمحتسبين يطوقوننا من جميع الجهات ويقتفون أثرنا في كل دار نشر نقف فيها، وكأنهم جاؤوا خصيصاً لمضايقتنا نحن من دون الآخرين، فلم نتمكن من شراء ما نريد بطمأنينة وسكينة أمام وابل القذف والشتائم التي كانت تنهال على رؤوسنا منها: (وقرن في بيوتكن، إن الله الذي وهبك الجمال قادر أن يسلبه منك طالما أنت سافرة - عودي إلى بيتك يا أمة الله - أنت خارجة عن تعاليم الشريعة - مكانك البيت - لا يجوز لك هذا الاختلاط - إن الله يراقبك - أنت مثل سيء لنسائنا - اخلعي حذاءك العالي - غطي وجهك فهو عورة - ضعي العباءة على رأسك) إحدى السيدات ردت على واحد منهم بسخرية لاذعة قائلة (أنا من القواعد من النساء) فأجابها غطي يدك فهي مثيرة، لم يقتصر الأمر على هذه الألفاظ وغيرها من الألفاظ المخجلة والجارحة كالتفسيق، والتكفير، واللعن، لكنهم تجاوزوه إلى التلصص على النساء بالنظر الفاحش إليهن، وإلا فما أدراهم بأن وجه تلك المرأة جميل، وتلك وجهها فاتن، ناهيك عن التجسس على الناس، فما أن يشاهدوا امرأة تقف مع رجل ربما كان قريبها، أو زوجها، أو أخاها، إلا ووقفوا ليستمعوا إلى الحديث الدائر بينهما، وقد رأيت ذلك بأم عيني، إذ التقت إحدى رفيقاتنا بخالها مصادفة في المعرض ووقفت تسلم عليه وهو يعاتبها على عدم نزولها في ضيافته، فلمحها أحدهم ووقف ليتنصت على حديثهما، ما استفز الرجل وكاد يشتبك معه لولا أننا منعناه من ذلك، لم تسلم منهم امرأة سواء كانت محجبة الوجه، أو سافرة عنه، لأنهم يأخذون الناس بسوء الظن، وقد رأيت إحداهن وهي مغطاة بالعباءة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها تسير ومعها شاب هو ابنها، ولازمها أحدهم كظلها وهي تتجنبه إلا أنه استفزها أخيراً عندما قال لها من هذا الشاب الذي معك ؟!.. فقالت له هذا ابني، ولولا تدخل الناس لكان ابنها قام بضربه. لماذا نحن فقط الذين لا تأتيهم مناسبة ثقافية إلا وحشد لها هؤلاء المتطرفون جنودهم من المرتزقة على حساب الدين وحساب سمعة البلد التي يسيء لها بهذا التصرف ويسيء للدين وإذا كان المرتزقة في التأريخ يتقاضون أجورهم ممن يحرضهم لغرض الحصول على المال فيروعون الناس ويرهبونهم، فإن هؤلاء استغلوا من محرضهم الأكبر الذي عرف بذهابه إلى مسؤولين لمناصحتهم جاعلاً من نفسه وصياً على الأمة، خصوصاً بعد فتواه، ولم يجد من يردعه، ما جعله يتمادى في العبث بعقول بعض هؤلاء الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم ال16 و20 عاماً، فحرضهم على هذا الفعل محتسباً أجرهم عند الله، فحرمهم من الثواب لأن الله لا يثيب من يضر الناس ويؤذيهم، بل جعل ضرر الناس من أعظم الجرائم، متى سنرى في هؤلاء وزعيمهم العقاب الرادع؟