.. أعطني رجالاً تشامخ الجبالَ ..أعطني رجالاً يشدّون انسدال السهول .. رجالاً تضيء أغراضُهم عقولَهم .. رجالاً في عهدٍ جديد لعهود جديدة .. وسأديرُ العالم!" ترجمة بتصرف من الشاعر فوس. عندما اجتمع بي الشابان، عاصم الغامدي وهو صاحبُ اقتراح عنوان هذا المقال والمخرج المبتكر "مهند الكدَم" في أقل من عشرين دقيقة في معرض أرامكو بالظهران وسط حشد مناسبة تطوعية كبرى .. كانا رجلين فعلا يضيء غرضُهما عقليهما، كانا رجلين في عهد جديد وسط عهود جديدة. أما الغرضُ فهو الوقوف مع أخيهما اللذين يريانه بلا مواربة ولا شك ولا تردد بريئا مقهورا من أغراض جائرة وقع في عين دوامتها. كانا جبلين يشامخان صفّاً من الجبال، كانا قد شدّا على ظهريهما رحلة في سهول وعرة، وكان واضحاً أنه لن يعيقهما امتداد وصعوبة ما سيعترضهما في رحلتهما. بدا لي الأمرُ ضربا من البدع والخيال، ولكن مَن يقف أمام تيار هادِرٍ من الحماسة، مَن يقاوم تلك الطاقة المشعة من عينيهما، مَن سيعترض التصميمَ في أقصاه وقد أخذ شكل رجلين؟! لذا في وقت ضيق، وقت استراحة، تم وضع فكرة الفلم الصغير "أوباما أطلق حميدان".. وإدارته وتمويله .. وكل شيء! لم نصدق أعيننا عندما ظهر خبر الفلم في صحيفة "سبق" الإلكترونية وقد ضرب في أقل من صباح عدداً تجاوز عشرات الآلاف .. ثم انتشر الفلم، وطار مثل طائر الرخ السندبادي ليسد عين الشمس، تربع على لائحة أكثر الأفلام مشاهدة في فضاء اليوتيوب، وتجاوبت معه حرفياً الملايين .. واتضح أمام واحد مثلي جبروت هذا "العهد الجديد"، ولمست طاقة لا تهمد، هي طاقة الشباب التي تطوي سهولَ العالم .. وهذه المحبة لرجل، لا لكونه أخا لهم فحسب، بل لأنه بأعينهم، بضميرهم، بقلوبهم، بعقولهم رمزاً لطغيان الظلم وتعسف الأجندة لدولة على فرد أعزل ضعيف. ثم اتضح أن الرجلَ المظلومَ الضعيفَ صار عملاقا ماردا جاب اسمه أركان الأرض، ولم أرَ شيئا إعلاميا انتشر في لحظاته الأولى مثل انتشار فلم حميدان التركي .. وتيقنتُ أننا نعيش عصراً وسائله تجترح المستحيلَ ذاته، وأن توفيقا عظيما جاء من فوق .. من الله، وهنا اطمأننا كل الاطمئنان ليس لعدالة قضية الرجل، بل لأن هذا الرجل سيُنصَف .. وسيكون إنصافه مدوّيا .. وسيكون كشفا هائلا عن تعثر الملف القانوني الأمريكي الذي أول مَن رماه بوجوهنا ناسٌ منا، ونعتونا بالبساطة والسذاجة، والجهل، والعاطفة، وهناك مَن رمانا حتى بالتشكيك بالأنظمة القانونية الأمريكية الصارخة العدل. ولم يأتنا صوتٌ واحد من أمريكا ضدنا! من الدكتور أحمد رئيس معهد ذرة في أمريكا، أمريكي الجنسية، مصري الأصل: "رأيت فلم أوباما أطلق حميدان، وصارت بنتي ياسمين توزع القمصان وعليها صورة حميدان تحت شعار "المظلوم" في مدرستها في نيومكسكو". ومن روبرت كالديان من كاليفورنيا: "اشتغلت في شركة سعودية منذ ثلاثين عاما، ولم أظن أن الشبابَ السعودي يمكن أن يقوم بحملة ذكية اعتمدت على العاطفة البشرية النافعة في كل حملة كثيرون من منتقدينا رمونا بالعاطفة، بل أحدهم قال: معدّو الفلمَ اعتمدوا بلاهة عاطفية! ويمضي روبرت: "ربما رأيتم أن يكون الفلم باللغة الإنجليزية وبخبرتي بالإنتاج من الممكن أن أقدم لكم خدماتي مجانا..". والرسائل كانت تأتينا من أقطار العالم، من عائشة تنجواني وكانت تمثل رابطة الشبيبة المسلمة في جاوه، ومن بهاء العز الرقيد من ليبيا حررها الله من ربقة الظلم والوحشية ومن شببية الجزائر، وحتى من الجماعة الأمازيغية في موريتانيا. أما عاصم فكان يهاتفني دوما ويقول: متى؟ وأقول له: متى ماذا؟ فيرد ضامناً: متى يطلع حميدان؟ عاصم كان "مسكين" عاطفياً جدا، كل صباح يتصور أن هذه اللحظة أكثر تأكيدا من لحظة البارحة بأن حميدان س .. يطلع! تعلمت من فلم حميدان، ومن فرقة العمل في الفلم، أن اللهَ عندما يزرع في عقلك حلما، فإنه لا بد مزودك بأدواتٍ لتحقيق ذاك الحلم. الآن انتصر حميدان وفلمُه، وخُفِّضتْ محكوميتُه من ثمان وعشرين سنة إلى ثماني سنوات. مضت منها ما يقارب الخمس، وبقي ما يقارب الثلاث، ولنا أملٌ في الله تعالى أن نراه إما يقضي بقية محكوميته هنا في بلاده، أو يخرج قبل المدة. وسأقفل هاتفي من الآن، لأن عاصماً سيقلق الهاتف بسؤاله: "متى سيخففوا المدة؟!". أقدم هذا الفوزَ لكل مَن انتقدنا بالفلم، لكل مَن رمانا بالجهل، والسذاجة، لكل مَن لوّح أمامنا بحاكمية الولاية على قرار الرئيس. أقدم الفوزَ تهنئةً لهم، لأنني لم أظن بهم إلا خيرا، ولأنني أظن، بكامل شعوري الحي العاطفي، أنهم من الفرحين. ويبقى شيء جرحني ولا بد أن أقوله للناقدين الأحباب، أولئك الذين قالوا وماذا عن البقية؟ وإلى مَن كتب أن نجيب الزامل فضح نفسه بأجندة العصبية (ولا أدري من أين استلهمها) واتهم معي الفتاة السعودية التي أشعلت وقيدَ كل التسونامي الحميدانية بصفحتها على الفيس بوك من واقع عنوان مقال خرج في هذه الجريدة .. (ولا أدري لِمَ قصر تهمة "العصبية"علينا، وأنا من الساحل الشرقي، وهي من الساحل الغربي) نقول لكل هؤلاء الأحباب أين الضرر من أن يقف واحد ويختار أحدا بعينه لينصفه بما يجزم أنه منصف؟ لِمَ بدَلا من وضع العصا في دولاب عربة العاملين، لمْ يقولوا لنا: طيب، عملتم لحميدان ونجحتم، فاعملوا أيضا للباقين .. هنا سنكون فعلا من الفرحين .. على أي حال نعلن عن الفريق أننا مع كل سجين مظلوم. وأعلن نفسي عاملا مع أي فريق لأي سعودي سجين في الخارج، وأعلن أني أقف مع أي سجين بالداخل متى كان ظلما أو تعديا.. هذه البلادُ لا تخاف من روح العدل.