شاكر النابلسي *نقلا عن "الجريدة" الكويتية - 1 - يبدو أن العالم العربي أفاق من غفوته ونومه الطويل في العسل، منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، ونيل معظم البلدان العربية استقلالها. فالمظاهرات الشعبية تجتاح العالم العربي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وكلها تطالب بالحرية والعدالة والمساواة، بعد أن «استغولت» الدكتاتوريات العربية، وتمادت في الفساد، والسرقة، ومصادرة الحريات، ونشر الجهل والتخلف، والتحالف مع الأصولية الدينية، التي قامت في الأمس تصدر الفتاوى الدينية بتحريم التظاهر والمظاهرات، باعتبارها مظهراً من مظاهر الحراك الشعبي المستورد، فكل مستورد حرام، وكل حرام في النار. - 2 - أصبحت الدكتاتورية العربية اليوم تُقرع بالمظاهرات، وأصبح العادل يكتفي بالإشارة، تذكيراً بقول المتنبي: العبدُ يُقرع بالعصا والحرُ تكفيه الإشارة وبعيداً عما يجري في العالم العربي قليلاً، من انفجار البراكين الشعبية، مازالت «المسألة» المصرية، الشغل الشاغل للإعلام العربي والغربي، لأسباب عدة تاريخية وسياسية وجغرافية وسكانية وإبداعية... إلخ. وخلال الشهر الماضي (25/1- 23/2/2011)، عادت الأحداث وتسارعت في مصر، وبرزت على السطح عدة نقاط ضوء، كادت أن تكتمل وتُفصح، منها: أن الدكتاتور العربي أصبح كالعبد الذي يُقرع بالعصا. ولكن بما أنه لا عصا بيد الشارع العربي، لكي يقرع بها الدكتاتورية، فإن الشارع العربي الآن، يقرع الدكتاتوريات العربية بالمظاهرات، والعادلون تكفيهم الإشارة. وقد كانت في مصر عدة إشارات على مدار ستين عاماً الماضية- ومنذ 1952، وقبل ذلك في العهد الملكي والخديوي- إشارات كثيرة على الفساد، وتزوير الانتخابات، واستباحة المال العام، والظلم، والبطالة... إلخ، ولكن لم يلتفت أحد إلى هذه الإشارات، فكان الطوفان. - 3 - ومن نقاط الضوء، التي كادت أن تكتمل وتُفصح في مصر، أن جماعة الإخوان المسلمين، مازالت تلعب- سياسياً- باحتراف ذكي ومذهل في الأزمة المصرية الحالية. وبلغ بهم الدهاء السياسي- غير المعهود- أن صّرح القيادي الإخواني عصام العريان ل «فرانس برس» أن «الجماعة» لا تسعى الى الحصول على أغلبية في الانتخابات التشريعية المقبلة. وكان «الإخوان»، قد أعلنوا في وقت سابق أنهم لن يرشحوا أحداً للانتخابات الرئاسية، كما أعلن المتحدث الإعلامي باسم «الجماعة» سعد الكتاتني، لموقع CNN بالعربية، أن «الجماعة» تحترم جميع المعاهدات الموقعة بين مصر وإسرائيل– وهو ما أعلنه المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة- موضحاً أن إعادة النظر فيها يرجع للشعب والأطراف التي وقعتها، إذا ما رأت أنها تحقق الهدف من إبرامها، وقال الكتاتني إن «الجماعة عارضت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، حينما كانت تُناقشْ، ولكن عندما تمَّ توقيعها، وأُقرت أصبحت واقعاً، ومعاهدة يجب احترامها». ولكننا نعتقد، أن هذه المعاهدة، سوف تُطرح في المستقبل القريب للاستفتاء، كما تقرر. وسوف يتم إسقاطها– في ظننا- من قبل كل التيارات الدينية في مصر، التي ستصوِّت ضدها سراً وجهراً، لأنها من منتجات ومخرجات ثورة 23 يوليو، التي تكن لها الجماعات الإسلامية بمن فيهم الإخوان المسلمون العداء المرير، لحرمانهم من العمل السياسي طيلة ستين عاماً منذ 1952. - 4 - وفي الوقت الذي يؤكد فيه قادة الإخوان المسلمين أنهم غير طامعين بالرئاسة، ولا مطالب خاصة لهم، وأن مطالبهم هي مطالب الشعب المصري، نرى أن ما يجري على الساحة المصرية عكس ذلك تماماً، فهم أولا مطمئنون تمام الاطمئنان إلى سلامة توجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الديني برئاسة محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع، الذي عينه مبارك في حكومة أحمد شفيق الحاكمة الآن، وكما قال سيد القمني «لا أحد يستطيع أن يشكك في ولاء المشير طنطاوي للوطن، كما لا يستطيع أحد أن يشكك في أنه كان الأشد ولاءً للمخلوع!» (موقع «الشفاف»، 15/2/2011) وهو ما يدل على أن دولة مبارك مازالت قائمةً... صحيح أن مبارك قد تنحى، ولكن نظامه في الجيش والحكومة والإعلام والقضاء لم يعتزل، فقائد جيشه باقٍ، ووزير دفاعه باقٍ، وحكومته باقية، ووزراؤه باقون، ومحافظوه في كل المحافظات المصرية باقون، وقادة حزبه في كل مرافق الدولة باقون، وملايين من عناصر حزبه باقية. - 5 - ولكن مبعث اطمئنان الإخوان إلى توجه القيادة العسكرية الديني، جاء من تكوين اللجنة الدستورية التي شكلها المجلس العسكري الأعلى برئاسة طارق البشري، وعضوية ستة آخرين إضافة لمقرر اللجنة، ومن بين هؤلاء الستة عاطف البنا وصبحي الصالح، وهما عضوان في جماعة الإخوان المسلمين. فكيف يمكن- كما قال رفعت السعيد رئيس حزب التجمع– أن يتم اختيار اثنين من ستة أعضاء من حزب واحد، وإهمال تمثيل باقي الأحزاب السياسية الأخرى، وتعيين رئيس للجنة (طارق البشري) من التوجه الديني، حيث إن البشري قد أصبح في السنوات الأخيرة من كبار منظري «الإسلام السياسي»، ومؤلف عدة كتب دينية-سياسية، تدعو إلى تطبيق الشريعة الدينية، وقيام الخلافة الإسلامية منها: «الوضع القانوني بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي"، و"منهاج النظر فى النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي"، و"ماهية المعاصرة"، وكتابه الأخير: "الجماعة الوطنية: العزلة والاندماج" (دار الهلال، 2005)، وهو من أكثر كتبه وضوحاً في شرح، وتبني "الإسلام السياسي". كما أن البشري أكد أن المادة الثانية للدستور باقية وردد القيادي الإخواني عصام العريان من ورائه: "إنها مادة فوق دستورية وتعلو على أي دستور". وهي المادة التي أضافها الرئيس السادات في دستور 1971 إرضاءً للإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى نكاية بالناصريين في ذلك الوقت، ودعماً لحكمه، ولكن ذلك لم ينفعه، وتمَّ اغتياله بأيديهم عام 1981. فهل تمَّ اختيار البشري اعتباطاً لرئاسة لجنة تعديل مواد الدستور المهمة (76، 77، 88، 93، و189 ) وإلغاء المادة 179 الخاصة بقانون الطوارئ، وهو ما انتوى القيام به مبارك قبل تنحيه؟