صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية لم تكن تلك الصور التي نشرتها الصحف يوم السبت الماضي لوائل غنيم وهو يُمنع من إلقاء كلمته في ميدان التحرير في القاهرة من قبل حرس الدكتور يوسف القرضاوي، هي الصورة الوحيدة لما جرى من اختطاف لميدان التحرير، فقد سبق ذلك عمليات اختطاف أخرى، قفز بها أصحابها فوق أحلام تلك الجموع من الشباب الذين كان جل طموحاتهم تتعلق بتحسين وضع معيشي متأزم، وهي عمليات اختطاف قام بها سياسيون وإعلاميون وفنانون وحزبيون عبر ركوب موجة الجماهير والمزايدة على قضاياهم. بعض السياسيين والإعلاميين تخلصوا من ملابسهم الرسمية، ومن ربطات العنق غالية الثمن، وانضموا إلى شباب ميدان التحرير سعياً لدور في القادم من الأيام، وبعض الفنانين والكتاب نسي ما صدر عنه من تصريحات، وذهب إلى الميدان، فكان نصيبه الطرد الذي جعله يبكي كطفل تاه وسط الزحام. ولعل أسوأ المواقف المتقلبة التي كشفها ميدان التحرير هي مواقف بعض الإعلاميين الذين استطاعوا بقدرة عجيبة تحويل البوصلة، تبعا لمسار الأحداث، فبعد أن كانوا عين النظام ولسانه، تحولوا إلى أشد أعدائه، بحيث لا تكاد تخلو صحيفة مصرية هذه الأيام من تصريح منتقد، أو إعلان براءة من النظام السابق، وفي حادثة توضح مدى ما وصل إليه بعض الإعلاميين من محاولة تصفية الحسابات مع كل ما يتعلق بالنظام السابق، رغم أنهم كانوا من أكثر المستفيدين منه، ما جرى من حوار تلفزيوني بين أحد المذيعين ووزير الإعلام المصري السابق أنس الفقي، فالمذيع الذي وجه سهامه للتلفزيون المصري، نسي أنه أحد العاملين فيه، وأن هناك من يعرف عن دقائق الأمور ما قد يحرجه، فاندفع منتقداً التلفزيون المصري، فكان أن داخل معه أنس الفقي ليقول له: ""متعملش فيها ثوري وأنت كنت بتحلم تجري حوارا مع الرئيس السابق مبارك ونجله .. أنت كل ما تحرص عليه هو جماهيريتك وعلى أن يتزايد عقدك من سبعة ملايين إلى تسعة ملايين جنيه"". هذا الإعلامي أنموذج لإعلاميين آخرين، بلغ من وضوح تحولهم السريع أن أصبحوا محل ملاحظة كل مراقب، وتناولهم عددٌ من الكتاب المصريين، ومن بينهم محسن حسنين الذي وصفهم في مقاله في مجلة ""أكتوبر"" المصرية (13 فبراير) قائلا: بعض الكتاب ورؤساء التحرير حولوا البوصلة وانقلبت مواقفهم 180 درجة ما بين ليلة وضحاها .. كانوا مع الحزب الوطني وقيادات الحزب الوطني .. وكانوا يقولون ""آمين"" على كل ما يفعلونه .. والآن أصبحوا يهاجمونهم أشد من المعارضة .. كانوا ضد ""الجماعة المحظورة"" .. أصبحوا الآن يشيدون بها باعتبارها ""الجماعة المحظوظة"" .. كانوا يؤيدون ما أسفرت عنه انتخابات مجلس الشعب والشورى ويعتبرونها انتخابات شريفة نزيهة عفيفة .. أصبحوا الآن يهاجمون التزوير الذي تم فيها عيني عينك .. ويطالبون بقطع يد كل من شارك في تزوير وتزييف إرادة الناخبين. وقال محسن حسنين إن هؤلاء ""قفزوا من المركب مع أول موجة"".