قد يستغرب البعض وربما يستنكر عنوان الموضوع والذي يشير إلى أن لأمريكا يداً فيما يعصف بالعالم العربي اليوم ابتداء بتونس ومروراً بمصر.. وسواء استقبل هذا بالاستغراب والاستنكار أو بالرضا والقبول، فالواقع الذي لا مرية فيه أن سياسة أمريكا في المنطقة هي سبب مهم في إفراز مثل هذه الظاهرة.. وهي التي أوجدت مثل هذا الاحتقان الذي أخذ يتفجر بشكل علني وجارف.. ذلك أن أمريكا بل والغرب كله كان يمارس ومنذ أمد بعيد سياسات غير عادلة وغير متوازنة، تجاه المنطقة وشعوبها، فوقوفه المطلق مع الكيان الصهيوني أمام وحشيته وجرائمه التي تشاهدها البشرية يوماً بعد يوم من تنكيل وتجويع، وترويع وذبح، هو ما غرس بذور الكراهية، والنقمة على أمريكا والغرب، وسياساتهما. تلت ذلك سلسلة من الممارسات الرعناء التي ارتكبتها أمريكا في المنطقة، فقد احتلت العراق باسم الحرية والديموقراطية، والعدل، وحقوق الإنسان فحولته إلى منطقة موحشة بفعل المذابح، والتجويع، والترويع، والتهجير،وإثارة النعرات، والمذهب وتدمير كل وسائل العيش الحر الكريم،.. لقد شاهد الناس الجنود، والدبابات الأمريكية، وهي تعيث في الأرض العراقية خراباً وفساداً، وشاهدوا الجنود وهم يطأون رقاب الشعب وكرامة أهل الوطن، يسفكون الدماء ويفتحون المعتقلات، وينكلون بالمقاومين والمعترضين، والشرفاء من أهل الوطن.. وكانت أمريكا قبل العراق رمت بعتادها وأثقالها الحربية في أفغانستان باسم محاربة الإرهاب ولم تتمكن إلا من ذبح المدنيين، وبث الرعب والتجويع والتشريد.. وجر هذا البلد البائس إلى قاع التخلف والظلام.. وباكستان الحليف الإسلامي القوي لأمريكا تحول إلى بؤر من الفتن، وجيوب الاقتتال وتفتيت الهوية الوطنية، وتدهور البناء، والتنمية حتى أصبحت أرضه ساحة للصراع، وسماؤه مسرحاً للطائرات بدون طيار والتي تمزق أشلاء مواطنين تحت ذرائع غير أخلاقية، والحال نفسها في الصومال التي حولتها الولاياتالمتحدة إلى قبائل قتالية خارجة عن القانون الوطني والسياسي.. وليس خافياً على أحد من أن تقسيم السودان كان أحد الأجندة الأمريكية ذات الأولوية العليا من الأهمية، فقد تولى هذا الملف بأهمية بالغة جون كيري مرشح الرئاسة الأمريكية في عهد بوش منذ أن كان أستاذاً في الجامعة في سبعينيات القرن الماضي. وظل جون كيري وبدعم منقطع الحدود وراء تنفيذ هذا المشروع حتى تحقق، وقد سار في احتفالات حاشدة في الجنوب منذ أيام..!! * * * إن أمريكا تتناقض مع ذاتها بشكل فاقع مع شعوب شبت عن الطوق بها مفكرون وعلماء، وقانونيون، وفلاسفة، وبها شبان أصبحوا قادرين على تفكيك الشفرات والرموز السياسية، ومعرفة الألاعيب والمخادعة الدولية، والتزمت العنصري والسياسي التي تمارسها حكومات الغرب عليهم.. لذا فإني أعيد القول: إنه من الغباء ألا نتصور حالة السخط، والفزع التي تنتاب المواطن العربي في الرباط أو تونس، أو القاهرة أو في أي جزء من الوطن العربي وهو يرصد ويشاهد هذا التجني الأمريكي الغربي.. من الغباء ألا نتصور حالة السخط، والغليان أمام مشاهد الطيران الأمريكي وهو يحرق بغداد ويسحق بحممه الجهنمية رؤوس العراقيين، ولا الطائرات الأمريكية الصنع وهي تدك بيوت غزة وتشوي لحم أطفالها.. هذا غباء، وجهل وعبث بمشاعر الشعوب وأحاسيسها القومية.. إن التعامل الغربي، والأمريكي بالذات مع هذه الشعوب كقطعان مروّضة تربت على المذلة، والمهانة واستمرأتهما، وستظل كذلك إلى أن تقوم الساعة.. إن هذه العجرفة، وهذا التجاهل والاستعلاء والتكبر وهذه القرصنة السياسية واعتماد الولاياتالمتحدة على أنظمة موالية ووسائل إعلام، وأقلام مأجورة، هو ما جعلها عاجزة عن رصد البوصلة، وعن رصد، واهتزازات ومقاييس زلازل شعوب المنطقة، فجاءت صادمة، ومفاجئة وعلى حين غرة.. ومن ثم فإنها تدفع علاقتها بهذه الشعوب نحو الهاوية.. فهل تستوعب أمريكا ومعها الغرب، من أن ما يحدث اليوم هو نتاج لمخاض طويل من الصبر، والغبن، وتغييب الديموقراطية الحقة، التي تمنح الناس التنفس والحرية، وتقرير المصير؟! إذ لا يمكن في هذا القرن الذي يتقاسم الناس فيه، وسائط النقل، ووسائل الاتصال، والكهرباء والنور، الا يتقاسموا الحرية والعدل.. فهل تدرك أمريكا وتفهم أن اليوم ليس هو الأمس، أم أن كبرياءها وصلفها سيجعلانها تتخبط في سياستها في المنطقة لتأتي يوماً متأخرة وتقول: الآن فهمتكم؟ وكفى الله وطننا كل المكائد والشرور