بداح السبيعي - الرياض السعودية في الوقت الذي يقضي فيه المفكرون وعلماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد والنفس وغيرهم عقوداً طويلة في تأمل ودراسة ظاهرة (التخلف) ومحاولة تحديد أسبابها وأبعادها والعوامل الجوهرية لها لدى بعض الدول التي تُصنف ضمن دول العالم الثالث، كالدول العربية مثلاً، ويُعلنون في دراساتهم وأبحاثهم نتائج علمية تتمتع بقدر كبير من العمق والإقناع والفائدة مع إشارتهم الدائمة لصعوبة تحليل بنية التخلف، وكون تلك البنية عسيرة على التحليل، يُلح بعض مُثقفينا على تناول هذه الظاهرة في كتاباتهم بسطحية مفرطة، تُرجع التخلف بكل سهولة لسبب معين كالعناية بالتراث الشعبي أو الشعر النبطي. وهذا الطرح السطحي حول ظاهرة التخلف أصبح مألوفاً منذ أن أصبح للشعر النبطي حضور قوي في المحافل والمناسبات وفي وسائل الإعلام المختلفة، وآخر ما اطلعت عليه من تلك الكتابات ما كتبه الشيخ عايض القرني تحت عنوان (نحن قوم أصبنا بالعين والحسد)، حيث يُذكرنا بأمر يعرفه البعيد قبل القريب وهو أننا سنحتاج لعشرات السنين لنكون كالغرب ذوقاً وتعاملاً وإنتاجاً ونظاما، ثم يستشهد بشطر شعري للشاعر الكبير خلف بن هذال: يا وطنّا يا وطنّا عمت عين الحسود جاعلاً منه - كما يفعل غيره من أعداء الشعر النبطي - نقطة انطلاق للسخرية من واقعنا وتراثنا الشعبي ومُتسائلاً: "مَن هذا الحسود المخبول المعتوه الأحمق الذي حسدنا ولم يحسد وكالة ناسا ولا صناع حاملة الطائرات أيزن هور (...) وما الذي أعجبه في عالمنا الدنيوي حتى يحسدنا؟ هل هي عرضاتنا الشعبية التي يسهر عليها كل من عاف القراءة ورمى بالكتاب وطلّق الحرف؟ فالكبار عالة على الضمان الاجتماعي، والشباب عاطلون عن العمل، ومع ذلك يصرّون ويرقصون بالهراوى والمشاعيب ....".! ثم يواصل شيخنا القرني إخبارنا بأمور لا نجهلها عن بؤس واقعنا مُقارناً إياه بواقع الأمم المتقدمة، ثم يستبق ردود الأفعال السلبية التي يتوقعها على مقاله بانتقاد من سمّاهم (الغوغائيين) الذين سيقولون له: اتقِ الله لا تمدح الكفار ولا تسبّ المسلمين" ويقول إنه لن يرد عليهم "لأنهم صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون"..! ولسنا في حاجة لطرح تساؤلٍ شبيه بتساؤل الغوغائيين حتى لا يعُدنا الشيخ من الصم البكم، ولكن أظن أنه يحق لنا أن نعتب عليه لإقحامه لبيت شاعر نبطي كبير ولإقحامه لفن من فنوننا الشعبية على سبيل السخرية في سياق لا يحتمل السخرية والسطحية كما فعل في مقاله، وقد كان حرياً به وهو الذي نعده مفكراً إسلامياً أن يتحدث عن هذه الظاهرة الإشكالية بجدّية وواقعية وعمق لا أن يكرر لنا أشياء نعرفها، ولا أن يسخر من الشعر النبطي الذي منحته كتابة قصيدة واحدة فيه ما لم تمنحه له دواوينه الشعرية الفصيحة من أضواء الإعلام، ولا أعتقد أن هناك من سيحسد الشيخ عايض القرني إذا استمر تناوله لقضايانا الكبرى بذات الأسلوب الذي تناول به تخلفنا في المقال الذي أشرنا إليه قبل قليل..!