محمد صادق دياب - نقلا عن (الشرق الأوسط) اللندنية اعتاد سكان جدة أن يطلقوا على المطر اسم «أم حليمة»، وقد عجزت شخصيا عن إيجاد أي علاقة بين المطر وهذه التسمية، ومع هذا فإن حكاية جدة مع «أم حليمة» هذه حكاية، فلقد عاشت أسر جدة يوم الأربعاء الماضي يوم رعب، وسكانها تحتجزهم المياه عن العودة إلى منازلهم ليوم كامل، ومنهم أطفال ونساء ومسنون، ذهبوا إلى مدارسهم أو أعمالهم أو مصحاتهم فحالت الدروب الغارقة دون عودتهم، وقضوا يومهم في عراء الشوارع، ومتاهات الطرقات، وهذه الكارثة هي الثانية خلال أقل من عامين، وهي مدة ربما كانت تكفي لوضع بعض التدابير الأساسية والأولية لعدم تكرار الكارثة، حيث من المفترض أن لا تلدغ جدة من المطر - على هذا النحو - مرتين. أحدهم تمنى - قبل الكارثة الأخيرة - أن تهطل الأمطار على جدة من جديد ليتخلص سكان المدينة من فوبيا كارثة المطر التي حدثت قبل أكثر من عام، وذهبت بأرواح العشرات، ومئات البيوت، والمركبات، وكنت أظن أن هذه الأمنية مرتبطة بإجراءات اتخذت لحماية المدينة، تمنع تكرار الكارثة، وهطلت الأمطار الأربعاء الماضي، وغرقت جدة من جديد، وتحولت «الفوبيا» لدى الناس من عارضة إلى مستدامة! وغدت جدة تشبه تلك ال«قريعة» المسكينة التي تتردد في الأهزوجة الشعبية المنتشرة التي يتغنى بها الأطفال في أماكن كثيرة من العالم العربي بصياغات مختلفة، لكنها في جدة تُغنى على هذا النحو: «يا مطرة حطي حطي - على قريعة بنت أختي» لقد تحولت هذه المدينة إلى خبر تحتفي به الفضائيات لغرائبيته، فكل مدن العالم تستقبل المطر، ولكن جدة وحدها التي تغرق، والتي يخط فيها المطر حكاياته العجيبة والأليمة والمحزنة، فهذه المدينة التي دللها أهلها طويلا، ونعتوها بعروس البحر، وسيدة البحار، تختنق اليوم بين بحرين، وتعيد إلى ذاكرة سكانها القدامى ذكرياتهم العتيقة مع المركب والمجداف والسارية. واليوم بدلا من البكاء على اللبن المسكوب رغم استحقاق البكاء، فإن جدة في حاجة إلى هيئة عليا تضع برنامجا زمنيا لإنقاذها من الغرق، فأمانة هذه المدينة عبر مختلف المراحل والأمناء عجزت عن تحقيق هذه الغاية، وعجزت معها الجهات الأخرى ذات العلاقة، وبدلا من تجربة المجرب علينا البحث عن بدائل لإنقاذ هذه المدينة من الغرق كما أنقذها الملك عبد العزيز - رحمه الله - من العطش في القرن الماضي بإنشاء العين العزيزية التي كانت العامل الأساسي والجوهري لنهضة المدينة واتساعها. وبالمناسبة فإن العلامة «!» التي وضعتها في آخر العنوان، هي في أصلها ليست علامة «تعجب» فحسب، ولكنها علامة «تحسر» أيضا.