أعدت مرارا أن الصحافة ليست شرطة، ولا ادعاء عاما، ولا قضاء، وأنها وسيلة تعرض للحالات العامة من قضايا المجتمع، من باب الخبر، والرأي، و ما يجري لا أكثر، وما تكتبه محاولة لتوجيه نهر الرأي السائد نحو مفهوم الحق والعدل وليس لقضايا شخصية متفردة، والاستثناء في القضايا الفردية التي تنشر خبرا، أو مقالا لأن لها صفة العمومية؛ بمعنى أن يكون نشرها يهم فئة كبيرة من الناس مثل قضايا متكررة في حقوق الإنسان، على سبيل المثال: العنف الأسري حيث يستشهد بالحالات الفردية على أنها نماذج لتكرر الحدث، أو الظاهرة، أو مواجهة مخالفات النظام وكثير غيرها لمواجهة المفسدين والمتسلطين. أعيد هذا الكلام بناء على مراسلات بريدية كثيرة تلقيتها بعد نشر عدد من المقالات في الحقوق النظامية، وكل هذه المراسلات تشتكي حالات فردية في قضايا الأحوال المدنية التي يحصل أن لا يقتنع طرف بالحكم القضائي، وأنا لا أتخذ موقفا في قضايا في قانون الشرع، فلست مؤهلا لذلك، وما أسمعه من طرف القضية الذي يزعم الظلم، لا أسمعه من طرف القضية الآخر، وبسبب هذا تعودت أن لا تنشر هذه المظالم، وكثيرا ما أرد على أصحابها شخصيا بأنه لا بد لهم من جهات القضاء والمحاكم العليا، أو ديوان المظالم، وليس على صفحات الصحف، لأن الصحف تنشر الرأي فقط، وفي الأسبوع الماضي لفتت نظري من مجموع الرسائل اثنتان مليئتان بالحرقة واحدة من سيدة وارثة من عمها طال عليها الزمن في الحكم بورثها، ورجل فصل اعتسافا من شركة حكومية كبرى، وعين بدلا منه خبير أجنبي، وفي الحالتين وما شابههما أشرت إلى المرأة والموظف باللجوء لديوان المظالم بعرائض مشابهة لما عرضوه علي، فلن يفيد النشر. وهذه القضايا فردية، فرغم الحرقة لديهما لإحقاق الحق فالموضوع غير هذا، وبرغم مشاعري نحوهما فأنا أعرف أن القانون لا يقوم على أحاسيسنا العاطفية بالمظلمة من عدمها، وإنما يقوم على أدلة مادية ملموسة، فما نراه حقا وعدلا بالرأي هنا، قد لا ينظر إليه القضاء مجرد نظرة واحدة، ما لم يكن الدليل واضحا في ملابسات القضية وأقصد الدليل المادي، الذي لا يلحقه شك. ثقافة القانون شبه معدومة لدينا مما يجعل كثيرا من الخصوم يلقي باللائمة على الجهات العدلية مثل الادعاء العام، أو الدفاع، أو القضاء، بالتأكيد لا أنفي الأخطاء، ولا التجاوزات، فهي كثيرة، ولكني أثق بعدالة القضاء في مراحله المختلفة صعودا، ومن هنا أخبر من يرسل لي للنشر بأن التمييز، وديوان المظالم أجدى له من النشر في الجريدة، فالصحف تبقى لطرح الرأي وليس مكانا لإحقاق الحق والعدل.