تقرأ في الصحف تصريحات متوالية لمن التعريف به هذا السطر الطويل، المستشار القضائي الخاص، والمستشار العلمي، في الجمعية العالمية للصحة النفسية في دول الخليج والشرق الأوسط، وهو يقدم نفسه مسبوقاً بحرف الدال، أي أنه ممن يحملون درجة الدكتوراة العلمية، أقول نقرأ له ما لا يزيد عن رصف ألفاظٍ متنافرة، لا يربط بينها رابط، فإذا تجاوزت هذه الألفاظ حيرتك في ما يريد من رصفها متجاورة على هذه الصورة، ففي جريدة عكاظ تصري للمذكور ينقله إلينا الأخ نعيم تميم الحكيم، ونشر يوم الخميس 9/2/1432ه معنوناً بما يلي: (المستشار القضائي «اللحيدان» لعكاظ: حديث لا تسبوا أصحابي يرد على مجيزي تمثيل دور الصحابة)، وتستولي عليك الدهشة، فما حاجة جمعية للصحة النفسية تنعت بأنها عالمية، لمستشار قضائي، وما الذي حوله إلى مستشار علمي، وما هو العلم الذي يستشار فيه، وأين مقر هذه الجمعية للصحة النفسية، ذات الاختصاص الواسع، الذي يشمل مدى واسعاً يشمل بلدان الخليج، بل الشرق الأوسط كله، وهل يحمل هذا المستشار الدكتوراه فعلاً، وفي أي تخصص، فنحن نعيش زمناً يتسع فيه مجال الادعاء أمام الكثيرين، ممن يكملون نقصهم بشراء مثل هذه الألقاب، ممن ليس لهم حق منحها، فالذين يسبق أسماءهم هذا اللقب لم يعد ممكناً حصرهم، من كل فئات المجتمع، ولعل بعضهم لم يحصل على الشهادة الجامعية من قبل، والادعاء حتماً لا يصنع مجداً، بل لعله يسيء سمعة المدعي، حتى لا يعود للناس ثقة فيه، ثم من أعطى هذا المعرّف نفسه بهذا السطر الطويل أن يفتي فيقدم لفتواه بقوله: (أنه لا يمكن تمثيل دور الصحابة من جهة العقل، والتحليل النفسي الأكلينيكي، والتحليل الازدواجي الشخصي، والنصوص الصحيحة تؤكد على ذلك)، وأبحث أخي القارئ بين هذه الألفاظ المتجاورة عن معنى معقول، ولا أظنك ستجده في ثنايا مثل هذه العبارة، فالعقل لا يمنع أن يتقمص الممثل أي شخصية فيمثل دورها، إذا أعدّ لها نصًّا يمكن إخراجه، أما التحليل النفسي الأكلينيكي، فها هم الأطباء النفسيون والأخصائيون النفسيون يملأون البلاد، فاسألوهم هل يمنع التحليل النفسي أن يتقمص الممثل دوراً لصحابي؟! وأنا على ثقة أنهم سيجيبون: ما دخل التحليل النفسي في هذا الأمر، ولكن هذا المستشار لا يعلم كنه ما يتحدث عنه، فليس له به علم، لهذا حشره في هذه القضية دون وعي، ثم ما معنى التحليل الازدواجي الشخصي، لعل المستشار له به علم نجهله فهلا شرحه لنا وأوضح، وما أظنه إلا عاجزا عن ذلك، أما النصوص الصحيحة إن قصد بها أدلة الكتاب والسنة الجزئية فليس فيها ما يحرم ذلك نصاً، وأما عن طريق الاجتهاد فللعلماء في ذلك قولان: منهم من رأى أنه لا يمكن تمثيل أدوار الصحابة في المسلسلات التاريخية، ومنهم من رأى إمكان ذلك، وفق ضوابط تمنع الإساءة إليهم، وأما حديث (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم أو نصيفه)، وهو حديث صحيح متفق عليه، وتؤيده أحاديث أخر فيها النهي عن سبهم، وتحث على حبهم، والاقتداء بهم، وإن كانت أدنى درجة منه، إلا أن الاستشهاد بها على منع تمثيل أدوار الصحابة استشهاد مغلوط، وتمثيل أدوارهم لا يعتبر سباً لهم إلا بفهم هذا المستشار النشط في إيراد كل غريب، أليس هو من ادعى أن جبل النور الذي في قمته غار حراء الذي كان يتحنث فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – لا وجود له، وأن النور جبل صغير لا غار فيه، وكل ما هو معلوم بيقين من معالم أم القرى ينكره هذا المستشار لمزيد علم اختص به دون الخلق أجمعين ولعل من ادعى مثل هذا وقد جهل جهلاً ذريعاً، وهذه المسلسلات المفترض أن إعدادها يتم وفق أسس علمية، وتعرض على متخصصين في التاريخ والشريعة، ولا يتصور أن ينسب فيها إلى أحد من الصحابة ما لم يفعله أو يقوله، ولو حدث مثل هذا فما أسرع أن يكتشف ويمنع عرض المسلسل، وقد حدث هذا من قبل، وأما إقحام مصطلحات حديثية في هذا الباب مثل قول المستشار: إن الناس اليوم لا يفرقون بين الصحيح والضعيف والحسن لغيره والحسن لذاته، فإنما هو من باب الإعلان عن أنه يعرف هذه المصطلحات، وغاب عنه –عفا الله عني وعنه- أن في الناس من هو أعلم منه بهذا، وهذه المسلسلات تعرض على علماء متخصصين في علوم الشريعة كافة، وحتماً كلهم أعلم بهذا منه، وإنما أردت هنا أن أنبه على هذا السيل من مثل هذه الأقوال أكثرها ادعاء لا يبنى على علم ولا ينطبق على واقع، والأولى أن يمحص قبل أن ينشر، فلا يسمح بنشر ما لا علاقة بعلم أو واقع، وأما سادتنا صحابة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – وخاصة كبارهم من حكم لهم بدخول الجنة فتجنب أن يتقمص الممثلون أدوارهم في المسلسلات أولى، لا لأن ذلك محرم ولكن حفاظاً على ما نحمله لهم من وفاء. حفظنا الله أن ندعي ما لا نعلم أو أن نطلق اللسان بما لا نعلم، إنه سميع مجيب.