.. سيُعقد غدا اللقاءُ الثالث لندوة الانسكلوبيديا لاتيه، الأولُ كان بعنوان «خلط ما لا يُخلَط» في مقهى «الكرة الحمراء» بالدمام، والثاني بعنوان «دولاب نيوتن» في مقهى «الليوان» بالخبر، والثالثُ سيكون بعنوان: «تأريخُ ما قبل التاريخ» بمقهى «الليوان» في حي الحويلات بمدينة الجبيل. وستسألون: «طيب ما قصة البقرة؟» ارتفعت في سنةٍ من السنوات أسعارُ الجِلد البقري الكولومبي، وساءت نوعيتُه، وضُجّ تجارُ الجلود في العالم من هذا الوضع، فأرسلوا مندوباً من جمعية تجار الجلود الدولية إلى كولومبيا، فسأل المصدرين الكولومبيين عن السبب، فقالوا: «رفعت علينا الحكومة قيمة ضريبة التصدير، أما عن الجودة فهذا ما يأتينا من تجار حظائر البقر.» وسأل الحكومة، فقالت: «السبب هو الإسرافُ غير المبرَّر في هذه الصناعة من تجار اللحوم وأصحاب الحظائر.» وراح سأل تجارَ الحظائر:» فقالوا رفعت عنا الحكومة إعانة أسعار العلف، وأبهظتنا بالمكوس، فصرنا نجلب العلفَ الرخيص للبقر، فجفّ لحمُها وتهدل جلدُها، لأنها لا تمضغه كما ينبغي.» فما كان من المندوب إلا أن أرسل برقيةً للجمعية مكتوب بها: «وجدت أن الخطأَ خطأُ البقرة!» مهمة ملتقيات الموسوعة بالحليب كما يفضل أن يسميها البعض هي أن تقدم المعلومات مكبسلة في كل نواحي فلسفة العلوم والآداب والحضارات، ثم يكون النقاشُ على كل معلومة، ليس بالإيحاء، ولا بالتصحيح، ولا بإعادة المعلومات، وإنما بحرية التحليق عاليا في الخيال الإبداعي، حيث لا خطأ ولا صواب بل اجتهاد في ربط الموضوع والبحث عن حبال خفيه تربطه بعناصر من واقع المجتمع، لأن كل عناصر الكون مترابطة بحبالٍ خفيةٍ مهما ظننا في تباعدها، والعثور على هذه الحبال أو حتى ابتكارها هي أم قريحة الاختراعات. ونقلنا شعار دا فنشي بخلط ما لا يخلط وأسقطناه كأيقونةٍ على كل عمل الموسوعة كمظلة معرفية ومنهجية لجَمْع نشاطاتها. أعجبني جدا قول أكثر من شاب متلمسين أدمغتهم: «أتصدقون؟ وكأننا اكتشفنا حجراتٍ خبيئة في أدمغتنا.» بالضبط، ذاكَ كان الهدف! وانشغل الناسٌ بالشكوى والتذمّر ولا شيء ذا بالٍ يحصل، لأن العقلَ لم يوضع في وظيفته الأصلية والأصيلة، فالعقل ليس لعَدِّ العقبات، وإنما العقل للتفكير بإيجاد الحِيَل للتخلص من العقبات، بل حتى استخدامها هي كوسيلة حل. لو كان العقلُ لعدِّ العراقيل والشكوى منها، لما خرجتْ البشرية من الكهوف! وغداً في الجبيل نلتقي!