نجيب الزامل - الاقتصادية السعودية .. في مقهى ""الكرة الحمراء"" في حي الشاطئ في الدمام بدأ فجْرُ مشروع ""أينسكلوبيديا لاتيه"" أو ""الموسوعة لاتيه"". كانت الفكرة أن الشبابَ يقضون أوقاتاً في المقاهي، ويطلبون أنواعَ القهوة الممزوجة بالحليب، أو حتى أنواع الشاي، و""لاتيه"" كلمة إيطالية تعني الحليب، شاعت وذاعت ودارت حتى صارت كلمة كونية بمعاني كل لغة، ومفهومة من كل لسان. ولع الناس الآن، وليس فقط الشباب، بالمكوث ساعاتٍ في المقاهي، يحتسون القهوة، ولكن لا يحتسون فكرا .. ولا تشغيلا ينفض الغبارَ عن الدماغ، فجاءت فكرة الموسوعة بالحليب الأينسكلوبيديا لاتيه وهي عبارة عن تحلّق شبابٍ في مقهى وعرض أفكار في علوم الفلك والفيزياء والفلسفة والأخلاق والاقتصاد وعلم الإنسان والجغرافيا والتاريخ وعلم الآثار، والتشريح، والطب .. ولكن ليس فقط ""شربا للمعلومات"" ولكن أولا فهم المعلومة المطروحة، ثم، وهذا الأهم، إطلاقُ العنان للخيال لربط المعلومة مع أي شيءٍ يخطر على البال مهما كان يُظن أنه بعيد. طرأت الفكرة وبدأت تنضج لما دعتني ""مجموعة الإعلام الجديد"" في جدة، وطرحت على صاحبات الدعوة فكرة التشريح الدماغي الإنساني بفصوصه المعروفة وأدائها كيماويا وكهربيا وعصبيا ووظائف التفكير فيها، وتعجبتُ أنّ الشاباتِ طار بهنّ الخيالُ وصرن يطبقن وظائف كل فِصٍّ دماغي على المجتمع والواقع الذي نعيشه، وهنا صار للنقاش وللمعرفة طعمان جديدان ومبتكران .. فالفصّ الخلفي مسؤول عن الإرادة الحرة، همم .. إذن ما مدى عمل هذا الفصّ في المجتمع السعودي أو العربي أو الغربي؟ وهذا الفص ال ""ما قبْل أمامي"" للعاطفة غير المحكومة، و""الفص الأمامي"" هو ضابط هذه العاطفة وحاكمها وكابحها.. همم، التطبيق: ما السائدُ في مجتمعاتنا هل هي وظيفة الفص الماقبل أمامي أم الأمامي؟ فالأمامي عندما يسود يكون التوازنُ والحكمة .. فطرأت علي طريقة ""خلط ما لا يُخلط"". ""ليوناردو دا فنشي"" أكبرُ عقلٍ تخيلي في التاريخ لا يجاريه عقلٌ آخر، لأنه برع في الخيال العلمي والتصويري والأدبي، بل اخترع لغةً جديدة، وسترون أن أشهر لوحاته العلمية الفلسفية الغامضة هو لوحة الجسد الإنساني الممدّد الأطراف، وحوله شرحٌ كثير بلغة غير مقروءةٍ (كان يكتب اللاتينية المخلوطة بالإيطالية القديمة بين كل كلمة مع ألفاظ فلورنسية ومن اليمين إلى اليسار بعكس الكتابة الإفرنجية المعروفة من اليسار لليمين)، كان يخفي دا فنشي بها أسراره ربما خوفا من فظائع الكنيسة ورحل بعلمه إلى القرون التالية، فجاءت الطيّارة والدبابة والصاروخ التي كتب أفكارَها ورسمها بالتفصيل. وعندما فكّوا شِفرة لغته، وجدوا أنهم كشفوا سرَّ إبداعاته، فهو كتب: ""سرُّ إبداعي أني أخلط ما لا يُخلط"" أي أنه يجد ربطاً بين الأشياء مهما ظننا أنها أقصى ما تكون في الارتباط! والتقط شبابٌ نابِهٌ منهم ""أنس الجريفاني""، و""وائل العثمان"" ومجموعتهما في ""عِشْ شبابي"" الفكرة، وكعادة الشباب جعلوها واقعاً بعد أن تقدم لهم صديقهم صاحب مقهى ""الكرة الحمراء"" الشاب محمد المحمدي، وطلب الاستضافة الكاملة وعلى حساب البيت المقهى. وكان اللقاءُ شبيهاً بالحلم .. بمعلوماتٍ متنوعة وجديدة، منها مثلا: عن ""موزارت"" الموسيقي العظيم الذي مات ولم يمش في جنازته إلا شخصٌ واحد، ثم تبين أنه شحاذ! ودُفن في مقبرة الفقراء بلا شاهد .. طيب ماذا ترون يا شباب؟ ومعلومة أخرى .. أن هناك أكثر من 300 مليار طريقة للَّعِب فقط بأول أربع حركات للشطرنج بين طرفي اللعبة، طيب يا شباب تخيلوا وتكلموا؟ وأجلّكم الله، شعوبٌ إلى منتصف القرن العشرين كانت تستخدم بوْل الحيوانات وحتى الإنسان في تنظيف الملابس، لوجود مادة ""الأمونيا"" وهي عنصر أساسي في تركيبة البول، والآن هي في تركيبة المنظفات المعروفة .. يللا يا شباب أطلقوا العنانَ للأفكار. في عام 1934 غير الشاه آنذاك اسم ""فارس"" إلى ""إيران""، بينما أحد أجداده قبله بألف سنة كان قد غيرها من ""إيران"" إلى ""فارس""، هيا اسرحوا في آفاق الخيال والأفكار. وعرفنا أن اندلوسيا (الأندلس) كان اسمها ""فاندلوسيا"" نسبة إلى قبائل غزتها واحتلتها، مخرِّبة ومتوحشة ألمانية، ثم سقط الحرف ال في (V).. هيا، عانقوا طيورَ الخيال والأفكار. وأذهلني الشبابُ المتزاحمون أنهم أطلقوا العنانَ للخيال والأفكار وجاءوا بأفكار وتطبيقاتٍ على الواقع والمجتمع، بل هم تعجبوا أنهم اكتشفوا وظائفَ خطيرة وعاملة قوت من أدائهم الدماغي من أول مرة .. وكانت هذه إحدى النتائج المتوخاة من الأينسكلوبيديا الشبابية المرحة المتعددة المعارف: اكتشافُ قوّة وحِدّة الخيال والذكاء في كل عقلٍ بشري. ونسأل الله العونَ أن تكون سلسلة شهرية. وحضر شبابٌ من الرياض ومن جدة، وطالبوا بنشاطٍ مشابه في كل مدينة، ولعلنا نعمل على تحقيق ذلك. وبعد عدة لقاءات قادمة بإذن الله ستتكون موسوعة شبابية مفيدة ومرحة ومتنوعة العلوم ممزوجة بالحليب الطازج!"".