محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية «ابن بشر» اسم حفظ في ذاكرة الأوائل والأواخر كيف وهو يرتبط بمؤرخ نجد الشهير الذي استطاع من خلال توثيقه الدقيق لأحداث الجزيرة العربية منذ بدء دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وقيام الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود عليهما رحمة الله، فدون أحداثها وفصل في أيامها وظروفها وأحوالها وترجم لشخصياتها حتى عد كتابه «عنوان المجد في تاريخ نجد» المصدر الأول والرئيس لتاريخ نجد في العصر الحديث. تذكرت تلك السوانح وأنا أقرأ في كتاب حفيده المربي الوجيه الشيخ محمد بن عثمان البشر الذي أكثر الناس عليه منذ سنوات بإلحاح شديد من أجل تدوين سيرته وحياته التي عاصر فيها ظروفا وقاسى فيها أحوالا ولقي فيها نجاحات فضلا عن كونه شاهد عصر ومرحلة وهو أحد رؤوس ومشاهير ومؤسسي التعليم في منطقة القصيم في البدايات. والإلحاح الذي لقيه الشيخ محمد بن عثمان البشر في كتابة سيرته يأتي من كونه من ذوي حرفة الأدب والثقافة فهو مثقف بارز ومن طلائع الشباب الذين عول عليهم ذو الرأي والحجى في بريدة في أن يكون لهم شأن علمي واجتماعي وثقافي أمثال أقرانه مثل الشيخ محمد العبودي والشيخ علي الحصين وغيرهم. كما أنه من بيت علم وأدب وهو حفيد المؤرخ الشهير العلامة عثمان بن بشر صاحب عنوان «عنوان المجد" . لقد قرأت بدقة كتابه الذي حفل بسيرته وأحداث مهمة دقيقة عن القصيم والواقع الاجتماعي في مدينة بريدة بالأخص. واستطاع بفضل ذاكرته القوية ومعاصرته لأحداث مفصلية أن ينقل القارئ إلى تلك الأجواء التي كانت تعيشها المنطقة إبان بدايات التعليم وانطلاقته. إن كتاب «حب الحصيد» يعتبر بحق مصدرا مهما من مصادر تاريخ المنطقة إضافة إلى ما حلى به من مقتطفات ونوادر وأشعار وطرائف وحكم قام ببثها ونشرها في أطراف الكتاب. لقد كان من أبدع ما رأيت في سيرته تلك، صراحته المتناهية وحديثه اللا متكلف عن ذاته ونفسه خصوصا فيما يتعلق بمحطات الفشل القليلة التي مر بها لم يخجل أن يتردد في ذكرها كما يفعل بعض أولئك المطبلين لذواتهم وأشخاصهم بل إن ذلك التعثر قاد إلى هذا النجاح الكبير الذي شهدته حياته الشيخ محمد بن عثمان البشر في كل المستويات. أما وفاؤه الكبير مع أقرانه وزملائه أو من أسدوا إليه معروفا أو جميلا فلم يتردد في ذكرهم والثناء عليهم وسرد مواقفهم وصنائعهم في المعروف. وها هو يقول عن تلك الرحلات من حياته «وكنت أواجه أسئلة من بعض المحبين عن قيامي بكتابة شيء من الذكريات وبعض من صفحات الحياة لا سيما وقد عاصرت أجيالا وأطوارا مختلفة، عشت الجزر والمد أدركت الانكماش والطفرة تعاملت مع البدايات في التعليم ومع التطور شهدت الضعف ثم القوة في أكثر مرافق الحياة». ثم يقول في مطلع حديثه عن سيرته في سرد أدبي جميل «يعبر المرء حياته، يقضي أيامه ولياليه، يعيش ما كتب الله من عمر، يقطع دروبا متعددة، يتقلب في أطوار مختلفة، يمر بأدوار متغيرة، طفولة، صبا، شباب، كهولة، شيخوخة، ضعف، شيبة، هرم إن لم يسبق الموت، في الحياة عمل وفراغ، جد وهزل، منع وعطاء، صحة ومرض، ضيق وسعة، شدة وفرح، تلك سنة الله في خلقه وقدره على عباده. خلال رحلة الحياة تختزن الذاكرة ما تختزن، تسجل ما يمكن من مشاهد يظل المرء يسترجعها يستعيد مشاهدها، يسر بما قدم، بأسف لما فرط، يحزن مما قصر، وأنا كفرد من هذا البشر مرت علي ظروف مختلفة، زاولت أعمالا متعددة، عايشت أجناسا وأصنافا شتى من البشر، أدركت زمن الحاجة وشيئا من العسر، عاصرت الركود والطفرات، الشدة والرخاء، قد لا تهم سيرتي لأنني لست العالم المؤثر والسياسي المشهور ولا الشخصية البارزة لكن البعض درجوا على تسجيل أيامهم ونشر وقائع حياتهم، وكنت ألاقي شيئا من التساؤلات هلا كتبت شيئا عن حياتك، عن عملك عن بدايات التعليم، عن حال الناس في زمن أصبح تاريخا، واسترجاع تاريخ محبب إلى النفوس، وفيه تبصرة وعبرة يقول الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى «وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور» إبراهيم: من الآية 5) من هنا رأيت أن أسجل شيئا مما مر علي وأدركته من وقائع حياتي، لعل فيها فائدة وأرجو أن تكون خفيفة على قلوب القراء، وأن أنال ترحما علي منهم، وقد فضلت عدم سردها في موضوع واحد حتى لا يمل من يريد أن يقرأ شيئا منها فقسمتها بين عدة حلقات، فتناولت الأسرة والعائلة والنشأة والطفولة والحياة العلمية والرحلات والأسفار والنشاط الاجتماعي وغير ذلك . وأرجو أن يكون فيها شيء من الوضوح عن واقع ذلك العصر الذي درجت فيه وعشته وهو يختلف كثيرا عن العصر الذي نحن الآن فيه من كل ناحية، الإمكانات المادية، الاتصالات، طرق التعليم، أنواع العمل، وسائل الراحة، السكن وتضخم السكان، تغير العادات والطبائع، وغير ذلك مما يغير طبيعيا ومنه مما هو أكثر من طبيعي». لقد كان من أروع ما قرأت في الكتاب محاولته شحذ الهمم للشباب والأبناء خصوصا في التعليم والتحصيل وتجاوز العقبات وعدم الوقوف أمام الصعوبات وهو بذلك يتحدث حديث المجرب والخبير، بل استطرد حتى في وسائل الترفيه المقامة آنذاك التي كان يمارسها الصبية والأولاد آنذاك. وإذا كان الكتاب حمل بين طياته العديد من التفاصيل الهامة عن حياته «حفظه الله» فإن الرائع الماتع فيه هي عدم كلفته واسترساله في الحديث عن جوانب قد يظنها البعض دقائق وصغائر لا أهمية لها إلا أنها في الحقيقة أعطت الكتاب نكهة خاصة وجمالا وذوقا فضلا عن أنها كشفت بدقة عن جوانب شخصية هامة عن حياته الشيخ محمد البشر. وما أتمناه أن تظفر كل مدينة ومنطقة من مناطق بلادنا الحبيبة الغالية بأمثال الشيخ محمد البشر ليزف إلى أبناء وطنه تلك الجواهر العذبة من الذكريات مذكرة الأجيال بما كانت عليه بلادنا وما تعيشه الآن بفضل الله ثم قيادتنا الرشيدة.