بعد مرور سنة على وفاة زوجها شعرت بوحدة شديدة وفراغ كبير، فلا يملأ حياة الإنسان غير شريك حياته مهما كثر الأبناء وتعدد الأحفاد؛ فكل منهم مشغول بنفسه وشجونه، ولا ينال والداه من وقته غير لحظات زمنية عابرة في زيارات عائلية خاطفة! عندما كانت تستقبل بناتها لم تكن تلك الزيارات تملأ أي فراغ عاطفي في نفسها، فقد كانت كل واحدة منهن مشغولة بجهازها الأسود الصغير الBlack Berry تحرك أصابعها عليها كما تتحرك أصابع جهاز ريختر لقياس الزلازل عند وقوع زلزال عظيم! عبثا أفلحت تلميحاتها ثم تصريحاتها بتكريس وقتهم عندها لها بدلا من الانشغال برسائل ومحادثات البلاك بيري لكن دون جدوى، فإدمان هذا الصندوق الأسود الصغير جعل أصابع الصغير والكبير تتحرك لا إراديا كما لو أنه خلق لتحريك الأصابع لا تبادل الرسائل! تفتق ذهنها عن فكرة جهنمية لتأديب بناتها، فعندما اجتمعن عندها ذات مساء، تظاهرت بأنها تجري محادثة هاتفية، ثم قالت لمحدثها الوهمي المجهول بصوت خافت لا يستعصي على السمع: «قل له إنني بخير وفي نعمة ولا أريد منه غير العشرة الطيبة والموانسة اللطيفة». توقفت الأصابع عن طرق الأجهزة السوداء وتلاقت العيون وتوقفت الأنفاس، واتجهن لوالدتهن بكل حواسهن يستفسرن عن الحكاية. قالت لهن بحزم: قررت الزواج على سنة الله ورسوله. عقدت الدهشة ألسنتهن وحاولن ثنيها عن مجرد التفكير بالأمر، فأظهرت إصرارا كشف لهن أن سببه وحدتها وانشغالهن عنها. في غرفة مجاورة انخرطت البنات في البكاء وتباحثن في الأمر ثم عدن إلى والدتهن بعرض أملن أن تقبله. قلن لها إنهن يتعهدن بعدم الانشغال عنها بعد الآن وعدم دخول بيتها بهذه الأجهزة، مقابل أن تلغي فكرة الزواج نهائيا. ابتسمت الأم وقالت لهن بحزم لا يخلو من تحذير: سيبقى العريس خارج هذا البيت ما دامت أجهزتكن السوداء خارجه!