عبد الرحمن الراشد الشرق الاوسط اللندنية سأعرض اليوم موقفين متناقضين، نوعا ما، في التعامل مع حرية المعلومات على شبكة الإنترنت. واحد يدعو إلى إغلاق المواقع بالقوة، والثاني يريد فتح المواقع بالقوة أيضا. وزيرة الأمن البريطاني سافرت إلى الولاياتالمتحدة ترجو إقناع السلطات هناك بتبني سياسة حظر مواقع الإنترنت التي تخدم الإرهاب وتحرض عليه. في خطابها أمام معهد «بروكنغز» قالت إنه آن الأوان لإقفال المواقع التي تساند الإرهاب، والتي تحرض على القتل، وتلك التي تنقل رسائل الجماعات الإرهابية. وضربت مثلا بموقع أنور العولقي، الأميركي اليمني الذي تصفه أجهزة مكافحة الإرهاب بأنه بن لادن الجديد. قالت إن موقعه بات محظورا في بريطانيا، وطالبت بحجبه في الولاياتالمتحدة. وذكرت أن خوادم الإنترنت العملاقة في الولاياتالمتحدة تستضيف كثيرا من المواقع الإرهابية والمتطرفة، وأنه يجب إقفالها، معلنة أن البوليس في بريطانيا صار يملك صلاحية إغلاق المواقع الإنترنتية الخطرة. لكن في الكونغرس الأميركي بحث مشروع فك الحظر الذي يفرض على الإنترنت في كثير من دول العالم، داعيا المشروع إلى صيانة حرية التعبير وحرية المعلومات عبر التدخل التقني بفتح المواقع الممنوعة. المثير أنه مشروع ناجح، حيث ورد في مقال في صحيفة «واشنطن بوست» أن بيانات الشركة المكلفة بفتح الأجواء المغلقة استطاعت تجاوز قوانين حكومة طهران ومكنت ربع مليون شخص من استخدام مواقع محرمة هناك مثل «فيس بوك» و«تويتر». مشروع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون يدعو إلى حرية الإنترنت ويتناقض مع مشروع وزيرة الأمن البريطاني بولين نيفل جونز الداعي إلى إغلاق المواقع التي تسيء استخدام الإنترنت. السؤال: مع أي من الوزيرتين نقف؟ هل نخاف من شر الإنترنت أم من شر الرقابة؟ إن أي محب لحرية الرأي لا يمكن أن يقف مع وزيرة الأمن، كما أن الذي يرى حجم الخراب الذي يهدد العالم من وراء المتطرفين والإرهابيين لا يستطيع أن يتجاهل خطورة استغلال الإنترنت. لذا، نحن في زمن الخيارات الصعبة، وعلينا أن لا نتوهم في هذا الميدان أن الحق بيّن والباطل بين، فالأمور مختلطة. أنا ضد منع الرأي، مع كل رأي حتى أقسى طروحات المتطرفين. لهم كل الحق في إبداء رأيهم والتنكيل بمواقفنا كما يحبون، ما دام أنهم فعلوا ذلك بالتعبير المسالم، بعيدا عن التحريض والتكفير ودعوات القتل والجهاد. فلا قيمة لفكر واحد، ورأي واحد، في هذا الفضاء الإلكتروني الواسع الذي ننعم به. لا نريد أن نكون كلنا ليبراليين أو معتدلين أو تغريبيين أو حداثيين أو غيرها من الألقاب التي يعتبرونها ذما. من دون الدينيين والتقليديين والمحافظين لا قيمة لنقاشنا، ولا يمكن أن يتطور المجتمع فكرا ويتقدم إلى الأمام. لكن للحرية حدود «وحدود الحرية أن لا تلمس يدك أنفي»، أي عدم الاعتداء، أو تحريض الآخرين على إيذاء مخالفيهم. إنها قاعدة واضحة ويجوز حجب من يخالفها لأن المواقع التحريضية، مثل الاعتداء باليد، مرفوضة، وتخرج عن إطار حرية الرأي. كما أن المواقع التي تعلم الاغتيال وصنع المتفجرات وجمع المعلومات بغرض الإيذاء هي الأخرى مرفوضة. سيمر زمن قبل أن يتعامل العالم مع الإنترنت وفق نظام دقيق، مثلما تعامل مع السيارات، التي صارت لها قوانينها وممراتها واستخداماتها.