عبد العزيز السماري - الجزيرة السعودية منذ عقود والفتاوي العامة مصدر للإثارة والخلاف والحوار بين فئات المجتمع، وقد يصح في مستقبل الأيام أن يستخدم الناس أسماء الفتاوي الشهيره لتحديد هوية العقود الزمنيه الماضية، فيُقال سنة فتوى المايكروفون، وسنة الراديو، وسنة التلفزيون، وسنة أطباق الاستقبال الفضائي، وسنة «الإنترنت»، وسنة جوال الكاميرا، وأخيراً سنة «الكاشيرات»، وهذا ليس من باب السخرية، ولكن لأن هذه الفتاوى كان وقعها مؤثرا على حركة سير المجتمع، و كانت الشغل الشاغل في أحاديث الناس في المجالس والأمكان العامة وفي الإعلام، بل إن بعضها في البدايات كاد أن يعصف بمستقبل الوطن.. تمثل هذه الفتوى شاهداً وعلامة متكررة على خلل في التنسيق والتواصل بين الدائرة الرسمية وبين اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، لأن صدورها في هذا الشكل يحول القضية إلى أشبه بالمشادة في المجتمع، ويحرج المسؤول، وبالفعل كان تعليق معالي وزير العمل على الفتوى: «لا أزال في مرحلة الصمت» معبراً، وفي ذلك دلاله على أنه لم يعلم عنها شيء، ولم يتم التواصل معه للوصول إلى حل أكثر ملائمة من فتوى التحريم القاطع.. لكن قد يكون في القضية بعد آخر، فالسلطه الدينيه في المجتمع تحاول دائما فرض حلولها من خلال إصدار فتاوى ضد أي حراك اجتماعي يخالف أصولها ومبادئها العامة، ونتيجة لذلك أصبح الحراك الاجتماعي أو الحلول المخالفة للفتاوى قوى المواجهة في المجتمع السعودي، أي في حالة صمود الحراك الجديد في المجتمع تفقد الفتوى نفوذها، وتتغير بتغير الزمان، وتصبح مخالفتها أمراً طبيعياً إذا تم قبوله من الناس، وبالتالي تصير الفتوى مجرد ذكرى أو عنوان لعقد آخر تمّ تجاوزه بعد تجاوز الفتوى الجديدة، ويوجد على ذلك كثير من الأمثلة، فمختلف الفتاوى والأحكام التي وقفت ضد حركات المجتمع الطبيعية تم تجاوزها بهدوء.. لكن ذلك التجاوز الذي يتصف بالهدوء وصل بعد معاناة طويلة، فقد مرت البلاد في حرب أهلية بسبب الخلاف العميق بين المجتمع والفتاوى، ثم حدثت مناوشات عسكرية وعنف وإطلاق رصاص وقتلى في البيت الحرام، وتبعتها موجات تكفير، ودعوات للقتل، ومن آخر قصص الفتوى التي أحدثت نوعاً من الارتباك، ما حدث في كلية الطب في جامعة الملك سعود، فقد تم إصدار فتوى بناء على وصف غير دقيق من مقدم السؤال، ونصّت على حرمة تدريب طالبات الطب في قسم المسالك البوليه، وحرمة الطلبة من التدريب في قسم أمراض النساء والولادة، وتم تفعيل استخدام الفتوى داخل الكلية لأغراض أخرى، وحدثت بلبلة كادت تعصف بمستقبل الكلية وتلغي الاعتراف بشهادتها دولياً.. الحل الأمثل هو أن تنصّ الفتوى التي تصدر بناء على طلب شخصي على أنها فتوى خاصة، وغير ملزمة لأحد، خصوصا ً في ظل وجود اختلاف فقهي في عمل المرأة مع الرجال بدون خلوة شرعية، والسبب أنها تعمل منذ عقود مع الرجل في مختلف مناطق المملكه، ولم تحدث ردة فعل سلبية من المجتمع تجاه ذلك، ولم يحدث فساد بسببها، وبالتالي يجب أن يستمر قرار العمل في أماكن مختلطة خاصاً بالفرد، ولا يجب فرضه على المجتمع قسراً، فأزمة البطالة بين الذكور والنساء وصلت إلى حد اليأس، وإذا كان تأثيرها أكبر على الرجال، فلا يعني ذلك أن تتخذ الجهة العليا للإفتاء موقفاً سلبياً ضد فرص العمل عند النساء.. أخيراً.. شعرت بالأسى على استعمال لفظ «كاشيرة» في فتوى رسمية وصادرة من هيئة عليا في الفتوى، وهي لفظ عامي مشتق من كلمة إنجليزية تم تأنيثها، وكان من الأنسب أن تُستخدم مفردة عربية في الفتوى لوصف حال النساء اللاتي قررن العمل كمحاسبات في بعض الأسواق المركزية.