الذي دفعني لتناول القضاء ورئيسه فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد في هذا الموضوع هو الانزعاج الذي لا يمكن تجاهله نتيجة التقصير الواضح في إنجازات مشروع القضاء المأمول الذي أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورصد له ما يزيد عن سبعة مليارات ريال. هذا المشروع لم ينجز بعد ولا أعلم متى سيرى الضوء. هذا من جهة ومن الجهة الأخرى ازدياد وتيرة القصص العجيبة الغريبة المقترنة بالقضاء وبعض الأحكام الصادرة والمدد الزمنية الطويلة التي تقع بين جلسة وأخرى وما يسببه ذلك من ضياع للحقوق وإهدار للوقت. هنا اسمحوا لي أن استشهد بكلام القاضي حمد الرزين الذي أتى ضمن ورقة عمل قدمها قبل أكثر من أسبوعين تضمنت حسبما نُشر في صحيفة "الوطن" الإقرار بتأخر تطبيق مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، مشيراً فضيلته إلى إحصائية مؤسفة جداً حيث قال: "لم ينجز من مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء إلا 15%، وإنه من المفترض أن نكون اليوم قد انتهينا وتشكلت جميع المحاكم وانتهت اللجان من عملها، ولكن مازال الأمر معلقا ولم ننته من هذه الإشكالات". كما أن موقف مجلس القضاء الأعلى من قضية فساد لافتة أقدم عليها أحد القضاة في المدينةالمنورة مؤخراً والتي تصدرت الأخبار يستحق الوقوف عنده. هذه القصة لم تعد خافية على أحد فالجميع ربما اطلع عليها خصوصاً أن عنوانها "القاضي المسحور" أصبح حديثا ساخرا داخل أروقة الكثير من المجالس. المزعج هنا أن وقوع مثل هذه القصص "الخيالية" إنما يؤثر سلباً على كل ما نسعى إلى بنائه في وطننا العزيز من زرع للقيم والعدل والمساواة أمام القضاء لما يعود من حفظ حقوق المواطنين والارتقاء بسمعة المملكة قضائياً بين دول العالم. بقي أن نعرف أن مجلس القضاء الأعلى قد صرح بنفيه القاطع عن علمه عن اتهام أي قاض في المدينةالمنورة على الرغم من الحالة الراهنة التي لا يمكن المكابرة فيها، وعلى الرغم من إرساله محققين قضائيين إلى محكمة المدينة لذات الموضوع. وأخيراً ما تم نشره في "عكاظ" بعد نفي مجلس القضاء تبرير أحد القضاة المتهمين في قضايا الفساد بأنه مسحور ولا يزال يعالج بالرقية الشرعية بعد أن تمكن الوسيط الهارب من سحره والسيطرة عليه لتمرير المعاملات وتسهيلها دون أن يشعر بذلك. أين فضيلة الشيخ صالح بن حميد وماذا يفعل؟ متى يتوقع فضيلته الانتهاء من هذا المشروع الضخم الطموح الذي بلا شك سيضع حداً للكثير من هذه القصص؟ أتى اطلاعي على تصريح القاضي الرزين متزامناً مع ما اطلعت عليه من الموقع الرسمي لسفارة المملكة في جاكرتا على خبر مفاده أن سفير خادم الحرمين الشريفين لدى إندونيسيا قد رافق فضيلة رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوم الثلاثاء 26 /10 /1431ه في زيارة الأخير لرئيس البرلمان الإندونيسي بمكتبه. والأهم في هذا أن اللقاء كما جاء في الموقع المذكور "تناول البحث في سبل تطوير العلاقات بين البرلمان الإندونيسي والجهات السعودية ذات الاختصاص". واطلعت أيضاً على خبر آخر من نفس الموقع أشار إلى مرافقة السفير السعودي لدى إندونيسيا لمعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء في زيارة لرئيس مجلس الشورى الشعبي الإندونيسي بمكتبه وأن الحديث بين الطرفين تناول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تطوير العلاقات بين مجلس الشورى السعودي والإندونيسي. الذي نعرفه هو أن المهمة التي ترك فضيلته العمل الرسمي من أجلها، هذا العمل المثقل بالهموم داخل المملكة هي تشرفه بتمثيل رسمي في مسابقة للقرآن الكريم تقام في إندونيسيا. السؤال: لماذا لا يتفرغ رئيس مجلس القضاء الأعلى وكافة الإدارات العليا في المجلس لهمومهم القضائية وينجزون هذا المشروع الوطني الهام؟ وتحديداً تشكيل المحاكم التي تكلم عنها القاضي الرزين، ويدع رئيس المجلس عنه زيارة البرلمانات الأجنبية والتباحث حول علاقاتها السياسية مع مجلس الشورى السعودي؟ الملاحظ هنا وحسب نشاط فضيلته في هذه الزيارة أنه لم يقم بزيارة نظيره القضائي في إندونيسيا بل زار مجلس الشورى والبرلمان وجمعيات خيرية ومعاهد علمية ودعوية. حقيقة لم أصدق ما قرأته في بداية الأمر وقلت في نفسي لعل الزيارة كانت قبل سنتين عندما كان فضيلته رئيساً لمجلس الشورى. هنا يحق لأي متابع أن يتساءل بأي عباءة ذهب فضيلته؟ هل ذهب بعباءته السابقة كرئيس لمجلس الشورى أم بعباءته الحالية كرئيس لمجلس القضاء؟. ثم، هل يحق لفضيلته بروتوكولياً إجراء هذه المباحثات السياسية الخارجة عن أصل الزيارة والمهمة التي ذهب من أجلها بل وخارجة عن اختصاصه وخصوصية الجهاز القضائي؟ وماذا سيقول المتلقي العام والخاص عندما يسمع أن رئيس مجلس القضاء في المملكة يقوم بمباحثات مع البرلمان الإندونيسي لتطوير العلاقة بين البرلمان وجهات الاختصاص في المملكة؟ أعرف أن هذه الزيارات قد تكون مجاملة لأشخاص كان الشيخ صالح يعرفهم سابقاً وعلى فرض أنها للمجاملة، أليس من الواجب أن تعقد في أي مكان آخر غير المقر الرسمي للشورى والبرلمان وألا تتناول الحديث في الأمور السياسية بين البلدين؟ وألا تتم تغطيتها إعلامياً كما حدث؟ الجميع يعلم أنه عندما تزج السلطة القضائية بنفسها في الشؤون السياسية فهي تخرج تماماً عن إطارها ونظامها المحدد من قبل الدولة. الحقيقة أنني لا أذكر أني قرأت أو تابعت أن قامت شخصيات قضائية بمثل هذا العمل في أي مكان في العالم. هذا المشهد يقودنا أيضاً إلى تساؤل جديد ومهم في آن والحديث مازال يدور حول فضيلة رئيس المجلس الأعلى للقضاء، هل سيجد بعض القضاة في المملكة ممن يوقعون على بيانات سياسية حركية من تصرف الشيخ صالح ما قد يبرر تعاطيهم السياسي في شؤون الدولة؟ أترك الجواب عليه لكل حصيف. المعروف أن توقيع بعض القضاة على بيانات مذكرات النصائح وغالبها بيانات حركية تخالف منهج السلف الصالح والشيخ صالح بن حميد رفض التعليق عليها تماماً ولم يجب السائل الذي ألح بسؤاله عنها، مع أن فضيلته أجاب عن كل سؤال سئل عنه في إجاباته الإعلامية بعد التقائه رؤساء النيابات العامة والتحقيق والادعاء العام بدول مجلس التعاون الخليجي. وقد نشر رفض فضيلته في صحيفة المدينة في حينها. هذه الملاحظات التي أوردتها في سياق الإنجازات التي نبحث عنها في المجلس الأعلى للقضاء ولم نجدها بسبب غياب الأولويات وكيفية مباشرتها بعد ترتيبها أطرحها أمام فضيلة الشيخ صالح بن حميد متمنياً من فضيلته أن يتقبلها بصدر رحب من مواطن محب وأن يجد ولو في جزء صغير من جزئياتها ما قد يفيد في تقدم الجهاز وتمكنه من تأدية مهامه العظمى بكل مهنية. الشيخ صالح بن حميد في النهاية هو مسؤول حكومي وضعته الثقة الملكية الكريمة على هرم جهاز كبير بالغ الحساسية والأهمية ويحتاج إلى الكثير من العزم والتصميم والتخطيط السليم نحو إعادة الهيكلة المنشودة. والله أسأل أن يوفق فضيلته وكل المخلصين في جهاز القضاء لكل ما من شأنه تحقيق آمال ولاة الأمر والمواطنين في تطوير هذا الجهاز الحيوي، وتحسين أدائه كونه ركيزة هامة من ركائز الأمن والاستقرار في وطننا العزيز.