لقد وُلد هذا المقال من رحم البيان الذي تبناه أولياء أمور طلاب المدارس السعودية ببريطانيا- حسب بيانهم المنشور في صحيفة الاقتصادية يوم الأحد الماضي-، والذي كشفوا فيه عن معارضتهم الحازمة لقرار الملحق الثقافي بإغلاق المدارس السعودية في طول بريطانيا وعرضها، بالإضافة لإيرلندا الشمالية، وإنه لمؤسف حقاً أن يُصادر حق أبنائنا الطلاب في الدراسة بهذه المدارس التي تمثل عمقاً وطنياً، ومحضناً ثقافياً لهم في دار الغربة، وهو قرار أقلّ ما يُقال عنه: إنه مصادرة لحقوق أبناء الوطن وأوليائهم المغتربين، دون الاسترشاد بآرائهم في أمر يمثل لهم تحوّلاً خطيراً- كما جاء هذا التحذير في التوسّلات على لسانهم في البيان المنشور- والمفارقة أن يصادر حق هؤلاء الأبناء في الدراسة، في الوقت الذي يحظى فيه البلد الذي يقيمون فيه، وتقيم فيه الملحقية باحترام آراء مواطنيه، وعدم مصادرة حقوقه، فكان ينبغي أن تستقى منهم هذه الأخلاق الإيجابية في احترام الحقوق، والترفّع عن مصادرتها، والحكمة ضالّة المؤمن. ولا ريب أن الاكتفاء بشهادة المدارس الإنجليزية، وإغلاق مدارس أبناء المبتعثين السعوديين، وتحويلها لمجموعات تقوية محلية، تمهيداً لحلّها- أن هذا كله نسف لجهود ومدارس ومنارات علم امتدت لثلاثة عقود من الزمن بجرّة قلم، أو ربما بنزعة فكر..! وهذه المدارس الوطنية لم تكن فخراً للسعوديين فحسب، بل لأبناء العرب والجاليات الأخرى، ليجد الطلاب المنتظمون أنفسهم فجأة في مهب الريح..! فهل يرضى المسؤولون في بلادنا بهذا القرار الذي أطاح باثنتين وثلاثين مدرسة- موزعة على معظم مدن بريطانيا- وأطاح معه بآلاف الطلاب السعوديين ومئات الطلاب الخليجيين والعرب والمسلمين في غمضة عين، وبضربة قاضية..!! إن هذه المدارس السعودية لم توجد عبثاً، أو بلا هدف، وإنما أُنشئت لأهداف نبيلة، ومن أبرزها تأهيل أبناء المبتعثين دراسياً وفق المناهج السعودية المعتمدة في بلادنا؛ لتكون عودتهم بعد سني الغربة أمراً سلساً، وليكون التحاقهم بأسنانهم وأقرانهم في المراحل الدراسية أمراً اعتيادياً، إضافة إلى قيام هذه المدارس بتعليم أجيال مختلفة في بريطانيا علوم اللغة العربية والقرآن الكريم وغيرها، فلا يصحّ أن يُقضى على هذه الأهداف النبيلة ونحوها بقرار انفرادي وبمعزل عن مشورة أصحاب العلاقة..؟! إن هذه المدارس، وأنديتها ومنظماتها الطلابية المختلفة لم تنشأ بقرار انفرادي، وإنما مرت عبر إجراءات ولوائح نظامية، ولهذا فإنه لا يُقبل البتّة أي قرار انفرادي بالانقضاض عليها، ومصادرتها تحت أي مبرر، إلاّ وفق الإجراءات النظامية ذاتها، ودون تجاهل لأصحاب الشأن، ولا يزال الأمل معقوداً بوزارتي التعليم العام والعالي، وبسفير خادم الحرمين في لندن الأمير محمد بن نواف ليضعوا حداً لقرار مخجل كهذا. إن المحافظة على المناهج السعودية الصادرة من وزاراتنا المختصة، والافتخار بها كمناهج ذات بعد علمي وديني ووطني، يعكس حجم الحسّ الديني والوطني للمسؤولين في الملحقية الثقافية، ومتى كان العكس، فكان إلغاء هذه المناهج هدفاً، فإن المعادلة ستنقلب رأساً على عقب..! لاسيما وأننا يجب أن نستشعر الفرق الكبير بين طبيعة مناهجنا والمناهج البريطانية، بالإضافة إلى استحضار الإشكالات التي تعقب إغلاق هذه المدارس- التي ذكرها بالتفصيل أولياء أمور الطلاب في بيانهم المشار إليه-، ناهيك عن السلبيات الناشئة عن غمس الطلاب الصغار -وفي سن المراهقة- في مدارس أجنبية وغريبة عن ثقافتهم وهويتهم الدينية والوطنية، دون أية عمليات احتواء واحتضان سلوكي وتربوي لهؤلاء الأبناء المغتربين. والمذهل أن هذا القرار الانفرادي صدر ضدّ طلاب يمارسون الانتخاب كوسيلة مهنية لاختيار الأكفأ في اختيار مدير المدرسة، ممن يتوفر فيه المؤهلات التربوية والعلمية والقيادية المناسبة لهذا المنصب، فهل يتواضع الكبار للصغار من أجل تلقّي درس عملي في إصدار القرارات بطريقة تحترم رأي الأكثرية المطالبة بالإبقاء على المدارس السعودية..؟