الليبرالية كل لا يتجزأ، والقيم الليبرالية لا تتقبل الازدواجية ولا يمكن أن تقبل القسمة على اثنين. الليبرالي الحقيقي معني بالإنسان ومعاناته أينما كان. ليس هناك ليبرالي بالفعل يمكن أن يكون محايدا تجاه حالة احتلال أو صراع دولي ما يذهب ضحيته الأبرياء. الليبرالي الحقيقي لا يستطيع أن يدير ظهره للانتهاكات التي تقع بحق الإنسان في الخارج، انطلاقا من الحجج السقيمة مثل (الداخل أولى) و(نظف بيتك أولا) و(قضاياي الداخلية في المقدمة). الليبرالي الحقيقي هو شخص يتفاعل مع كل ما يحدث في العالم بدافع من خلفيته الفكرية التي تعتقد بقدسية الإنسان، وانطلاقا من إيمانه بمبدأ المواطنة العالمية. الليبرالي الحقيقي لا يستطيع أن يكون إصلاحيا وباحثا عن العدالة في الداخل، وغير معني بالقتل والإبادة والاستعمار إذا ما تعلق الأمر بالخارج. الليبرالي الحقيقي لا يمكن أن يخلص لمبادئ الليبرالية داخل حدود بلاده، ثم يتحلل منها بمجرد مغادرته تلك الحدود. الليبرالية الجغرافية لا وجود لها إلا في أذهان المستعمرين وأتباعهم وأذنابهم. صحيح أن الليبرالية منتج غربي، لكن غاياتها تبقى إنسانية ومنطلقاتها تظل عالمية. وعليه فإن الليبرالي الحقيقي لا يمكن أن يكون منحازا لعرق أو ثقافة أو بلد أو حضارة ما. الليبرالي الحقيقي لا يلجأ إلى آلية التبرير لشرعنة الطغيان أو الدفاع عن المظالم. والليبرالي الحقيقي الذي يؤمن برابطة الإنسانية ويتمسك بمبدأ المواطنة العالمية، هو من يسعى إلى التوفيق بين المسؤوليات الملقاة على عاتقه في الداخل والخارج معا. الليبرالي الحقيقي لا يمكن أن يؤيد الحروب تحت أية حجة كانت. فالليبرالية لا تسوغ قتل بريء واحد لأنها لا تؤمن بالمكيافيلية التي تقول بمبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة). الليبرالي لا يمكن أن يتسم بالازدواجية، والليبرالية لا يمكن أن تلتقي مع الانتهازية. لو كان ذلك ممكنا لما عارض الليبراليون في الغرب الحروب ونظموا المظاهرات والفعاليات الحاشدة للضغط على حكوماتهم حتى تتجنب الدخول فيها. ولو كان ذلك ممكنا لما رأينا الناشطين الغربيين من أمثال الأميركية راشيل كوري التي قضت بسبب دعمها للقضية الفلسطينية. لا يمكنك أن تكون ليبراليا في مكان ومدافعا عن الطغيان في مكان آخر.