لا شك أن الإنترنت وسيلة اتصال أكثر تحررا وأخف قيودا لكنه يجب ألا يكون هذا الفضاء المتحرر غابة للتناحر أو سلاحا في يد السفهاء وخفافيش الظلام. وعندما نقول أننا نعيش عصر الإنترنت فلابد أن ندرك أننا ودعنا عصر تكميم الأفواه وديكتاتورية التفكير وزمن الشعارات الحنجورية بلا رجعة شاء من شاء وأبى من أبي، وفي الوقت ذاته فإن ذلك لا يسوغ بحال أن يتحول هذا الفضاء غير المحدود إلى ساحة للهمجية أو الحرية غير المسئولة. السيطرة على الإنترنت عمل أشبه بالمستحيل لكنه يجب أن يتم، وإن كان من غير الممكن أن تدار الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) بأسلوب رؤساء تحرير الصحف الحكومية في الدول العربية، ولا عن طريق المخابرات والقوانين المفصلة على مقياس سلطات القمع، فإن حجب المواقع أيضاً ليس تنظيما ولا حلا أو حتى عقابا بل قد يكون انتهاكا للقانون في كثير من الأحيان فقد اتهم المدونون "الجهات المسئولة" عن تنظيم الانترنت في تونس باتخاذ "قرارات غير قانونية" لحجب مواقع الكترونية وقالوا إن ذلك "يتعارض مع الفصل الثامن من الدستور التونسي" الذي ينص على أن "حرية الفكر والتعبير والصحافة والنشر والاجتماع وتأسيس الجمعيات مضمونة وتمارس" وفقا لما ينص عليه القانون ويتعارض أيضا مع الفصل التاسع عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان محذرين من أن مواصلة الحجب "يشوه صورة تونس في العالم". الاعتراض على حجب المواقع يستثنى منه المواقع الإباحية والإلحادية والتي تهدد الأمن القومي للبلاد، وإن كان ليس من العسير الدخول للمواقع المحجوبة فلا أسهل من الحصول على (بروكسي) لكسر الحجب دون عناء أو تكلفة، الأمر الذي يزيد من الإلحاح في العثور على آلية تنظيمية قانونية عادلة يتم من خلالها تنظيم الإنترنت ومساءلة المخطئ والمسئ للاستخدام للحد من الجرائم الإلكترونية التي أضحت في تزايد وفي الوقت ذاته حفظ أمن البلاد وحقوق وخصوصية أفراده من انتهاكها. لا ننكر أن هناك محاولات ومشاريع لقوانين تدرس أو اقتربت من الظهور إلى النور في بعض البلدان العربية لكنها للأسف تبطن –غالباً- نوايا قمعية وأهداف سلطوية وربما يمكن اعتبارها تطورا ديكتاتوريا لمواكبة العصر الواحد والعشرين لفرض المزيد من السطوة والقمع والذي تأثر كثيراً في عصر الفضاء اللامحدود حيث منتديات الإنترنت والمدونات واليوتيوب. فعلى سبيل المثال شهدت لبنان قبل أشهر مناوشات قادها ناشطين ومدوّنين إلكترونيين وبين الحكومة التي كانت تحاول تمرير قانون جديد للانترنت اعتبره المناوئين رقابه ديكتاتورية نظرا لتعيين الهيئة المقترح إنشائها من قبل السلطة السياسية، كما اعتبروا انه قانون لكمّ الأفواه، وأن مواده تنتهك الحقوق الشخصية للمواطن اللبناني. مشاريع "قوانين الإنترنت" في الدول العربية مازالت محدودة سواء على المستوى التشريعي أو في الإطار الفقهي والأكاديمي والقضائي والإداري، وحتى الجهود المبذولة في هذا الإطار لم تتمكن من وضع تصور عام لفكرة قانون الإنترنت في محيط عالمنا العربي، بل إنها تحتاج لمزيد من البحث والدراسة من ناحية تداخل هذا القانون في النظم الإدارية والاقتصادية والسياسية الأخرى والسياسة القانونية للإنترنت والتشريعات المقارنة والدولية الصادرة بخصوص الإنترنت والحقوق والحريات والالتزامات الرقمية وعلاقتها بتلك المادية والكيانات الدولية والمؤسسات والتجمعات الدولية والمحلية ذات العلاقة بقانون الإنترنت وتأثير الحوسبة والرقمية على نظم قواعد البيانات والمبادئ الدستورية التي تحكم قانون الإنترنت وذلك من خلال الحقوق والحريات والالتزامات الرقمية ومبدأ الحق في المعرفة والحقوق والحريات الدستورية، ودراسة تأثير قانون الإنترنت في النظم الإدارية المعاصرة ونظم قواعد البيانات والتخزين الرقمي ونظم المعاملات الرقمية (بما في ذلك الملكية الفكرية) ونظم التجارة الإلكترونية ونظم مكافحة جرائم الإنترنت طرح منهجية قانون الإنترنت بالإضافة إلى إعداد قياسات الكفاءة في مجال الدراسات العليا وتأهيل الأكاديميين في مجال قانون الإنترنت ووضع تصور لإدارة قانون الإنترنت في الشركات والمؤسسات المختلفة وكذلك وضع تصور لاتصال الجهات القضائية والقانونية بقانون الإنترنت موضع التنفيذ.