اشتعال الفتاوى وتخبطها، وشيوع الغريب منها، واختلاف المفتين فيما بينهم في القضية الواحدة، كل هذه الأمور شكّلت المادة الدسمة والرئيسية للقنوات الدينية والتي لم تجد أمامها بعد صدور قرار خادم الحرمين الشريفين بتنظيم الفتوى وحصرها في هيئة كبار العلماء والذي لاقى قبولا وارتياحا في كل الأوساط لم تجد أمامها من الموضوعات المثيرة التي تجذب لها ضعاف النفوس والجهال إلا برامج تفسير الأحلام (وقد ازدهرت وتم تسليط الضوء عليها بشكل كبير)، فأصبحت هذه القنوات تقتات على الأحلام بشكل كبير، فكل حلم أو رؤية يشاهدها الإنسان يجد لها ألف تفسير عند أصحاب هذه البرامج؛ فمنها ما يخبر بموت قريب أو زواج أو تنبؤ بكارثة أو خسارة، مستندين في واقعية تفسير الأحلام على ورودها في القرآن الكريم في سورة يوسف ومتناسين أن الكثير من الأحلام لاتفسير لها ولا يجب أن تفسر لأنها عبارة عن ترجمة العقل الباطن لبعض المواقف التي يمر بها ويختزنها في ظروف خاصة أو ما عبر عنه القرآن الكريم ب (أضغاث أحلام) حتى أصبح الكثير من الناس أسرى أحلامهم، فكأنّهم يعيشون أيامهم في حلم كبير يعتمد تفسير أدق تفاصيله على هذا الشيخ أو ذاك. وهناك بالطبع الكثير من البرامج المساندة لسد الفراغ الذي أوجده غياب البرامج التي تبيع الفتاوى بالمجان مثل البرامج التي يدّعي أصحابها القدرة على العلاج عن بعد وإخبار الناس بمسببات أمراضهم وعما إذا كان المتصل مسحورا أم لا. حيث تجعلك تشعر بأنّ العالم ينقسم إلى أربعة أقسام ساحر ومسحور وحاسد ومحسود، وبرغم ادعاء المعالج باعتماده على كتاب الله إلا أن هذا الادعاء ما يلبث أن يتبدّد في زحمة الطلاسم والتعويذات والأعشاب. والمضحك في الأمر أننا نجد نفس الأسماء من المتّصلين الذين كانوا يتزاحمون على برامج الإفتاء هم أنفسهم تحولوا إلى هذه البرامج البديلة. إنّنا بحاجة ماسة إلى جبهة توعية وتثقيف مضادّة لهذه البرامج التي تهيمن على بعض الأشخاص وتلغي عقولهم وتجعلهم مترددين يتوسلون إلى الأحلام أن تأتيهم وتبت في موضوع محيّر أو أمر مقلق، فتختار لهم وظائفهم وزوجاتهم وأوقات سفرهم. بل إلى تحرير الكثير من الناس المُكبّلين الذين يعتقدون طوال الوقت أنّ شخصاً ما في مكان ما يراقبهم بشكل مستمر، وينفث عليهم كلمات شيطانية لسحرهم أو حسدهم، فكل عثرة أو خسارة أو فشل أو مرض مردّه السحر والحسد. لذلك لا بد من تكاتف عدة جهات لبث التوعية بين الناس مثل: التعليم بمناهجه المتعددة والإعلام عن طريق المحاضرات التثقيفية للشخصيات المؤثّرة في المجتمع والبرامج الحوارية التي تناقش مثل هذه الأمور وتبدّدها للوصول إلى مجتمع مفكر يُعمل عقله ولا يلغيه.