ربما بنصف طاقتها من الموارد البشرية، تعمل اليوم جل الأجهزة الحكومية مع انصراف هذا – النصف – من الكوادر في إجازاتهم السنوية. كل ما تغير أننا اختصرنا مشاوير التوقيع وجددوا الصلاحية. وبدلاً من أن نذهب في المعاملة الواحدة لأربعة أشخاص أو خمسة، صارت الصلاحية في يد اثنين. ودائماً نقرأ المناصب والأسماء دون أن نؤصل لمعانيها اللغوية على طريقة مشايخ الفقه وأصوله. يقال إن – المدير العام – لا مهمة لديه إلا نهايات التوقيع، وإن كل ما يصل إليه في نهاية الأمر، لا يصل إلا – مطبوخاً – ومدروساً، وإن مهمة من تحته مباشرة ألا يجعله في حرج من عواقب التوقيع. يقال أيضاً إن المراتب الزوجية وخصوصاً عند الرابعة عشرة إلى أعلى هم من يوقع على القرار ولكنهم لا يصنعونه في المطلق. الذي يصنعه هم موظفو المراتب من السادسة إلى العاشرة. يقال أيضاً إن أصحاب المراتب العليا من (الموقعين نيابة عن معاملات الشعب) لا شيء لديهم ليضيفوه إلا مراقبة أخطاء الإملاء وحركات القواعد. هم أيضاً يقظون جداً لمسألة (الصرف). وأنا هنا أعني علم (الصرف) اللغوي حتى لا يسيء أحد منكم الفهم. يقال أيضاً إن أصحاب المراتب الزوجية العليا ينتدبون في العام الواحد ستين يوماً هي أقصى ما يكفله النظام ويحضرون في العام ذاته ما لا يقل عن دورتين بنصف شهر ويتمتعون بشهرهم السنوي الاعتيادي إجازة رسمية وما بين كل ذلك (يمرضون) ويضطرون، فكم بقي للكراسي وللتواقيع إذا كان مجمل الدوام في العام كاملاً (200) يوم بخصم الأعياد ونهايات الأسبوع؟ ما الذي تغير بالناقص أو السالب حين نكتشف أن نصف كوادر الحكومة في إجازة؟ الجواب لا شيء. ومع هذا أنا لا أدعو لتقليص هؤلاء، رغم أنني مع قطاع خاص قوي وحكومة صغيرة. أنا مؤمن أن الوظيفة الحكومية شيء من الضمان الاجتماعي ومن قوانين الوصول إلى قوت الأسرة. أنا مع اختصار المسميات والمناصب والتواقيع حتى ولو ذهب الآلاف إلى الدائرة بلا عمل. هؤلاء يشغلون الجمهور، لأن النظام يحتم أن نجد لهم (شغلة).