يقول سعادة الدكتور، سعد البريك، تعقيباً بعد مداخلتي الهاتفية في برنامج (البيان التالي) إنه يتحدى أن أبرهن عن حالة واحدة من إيغال الخطاب الصحوي في التحريض المذهبي، ثم يضيف أنني (وأمثالي) قد ضقنا بهذا الخطاب، لأنه مثلما قال (نحن نفعل ولهم فقط الكتابة). وبالطبع لن أبرهن بحالة واحدة، ولسعادته أن يعيطني عنوانه لأشحن له (بالكراتين) ما لذ وطاب من أدبيات التحريض المذهبي بكل الأصناف المطبوعة والمرئية والمسموعة. وهذه المسألة لا تحتاج لعظيم إثبات أو برهان، لأنها المادة التي اقتات عليها للأسف الشديد تشكيل جمعي لعقود دون أن تدرك هذه الأدبيات أو قائلوها خطورة ما تفعله، وبالأنموذج: أن نكون حذو القذة وراء طائفية العراق وأفغانستان. ثم إن سعادة الدكتور، ربما نسي أو تناسى، أنني قد أشرت إلى أن المذهب المقابل أيضاً غير مستثنى من هذه الحالة الاحتفائية. وسأبصم بالإبهام الأيمن على صدق قوله وهو يشير إلى (أنهم يفعلون ونحن فقط نكتب)، مؤمناً تماماً أن أحداً من قبل لم يشر مثله بصراحة إلى هذه الأدوار بين من يفعل وبين من يكتب. وللأسف الشديد فإن أحداً لم ينتبه لماذا (تفعلون) مثلما أن أحداً لم يقرأ أيضاً ماذا (نكتب)، بكل ما بين الأقواس من إشارة ضمنية قد لا يحتملها تصريح الكتابة. نحن يا سادتي (ردة الفعل)، وهذا هو دورنا الطبيعي، ولولا الفعل ما كانت الكتابة ولكن: ما الذي كتبناه بالضبط إذا ما أردنا أن نعرف طبيعة الفعل؟ نحن نؤمن أن المجتمع استيقظ على الواقع بفعل الفعل أو بفضله، لا فرق.. وأنا أدرك أنني أكتب اليوم واقفاً على رؤوس أصابعي، وممسكاً قلمي بأقل ما يكون من الأصابع. بمجرد إصبعين تحاولان الكتابة عن فعل الذين استخدموا كل الأصابع وكل حركة الكفوف وكل فيزياء الأعصاب والعضلات. هذه هي طبيعة الفعل وتلك أدواته، ولكن ما هي طبيعة الكتابة وما هي أدواتها إن لم تكن مجرد قلم يدور حول الحمى لأنه يخشى (ردة الفعل) بل يخشى من الفعل نفسه؟ يخشاكم. ولا غضاضة لدي أن أقولها، لأنكم (الفعل) ونحن مجرد (الكتابة). طبيعة الكتابة هي الخوف مثلما هي طبيعة الفعل في الإقدام والجرأة، ونحن نكتب فقط كي نحاول فقط أن نكشف الفعل لا أن نكتشفه، ولكم أن تقرؤوا المقال مرتين كي تصلوا لنصف ما أردت عاجزاً أن أصل إليه. الخوف دائماً هو حبر الكتابة.