.."تكدّست" عندي عشرات الرسائل من طلبتنا الدارسين بمختلف المستويات من بريطانيا، بعضهم يشكون ويبكون ويتوسّلون، وبعضهم غاضب محتج، حول قرار وزارة التعليم العالي بإيقاف الالتحاق بالجامعات البريطانية مبررين ذلك بتكدس جامعاتها.. والطلبة يعتقدون أن لي "مكانا" في الموضوع، ولكنهم يتعلقون بقشةٍ، فلا حول لي ولا طول في القرار ولا تنفيذه أو إيقافه، أو حتى طلب النظر فيه، إلا بذات قدرتهم.. سوى أن المنصة هنا للجميع، وأعوِّل بعد الله على الصداقة والأخوة التي تربطني مع كبار مسؤولي الوزارة، والذين أتوخى فيهم العدلَ وصفاءَ النوايا.. وأتساءل بحق هذه الصداقة والأخوة، أليس القرار وإن كان عادلا متى طبق بتبعاتٍ خاطئة يفقد صفة العدل؟ منطقيا سيوافقون معي، وربما لهم رأيهم، أو لم تتضح لهم بحكم الازدحام وظروف لا نعلمها عواقبُ التبعات على المبتعثين وحتى تبعات مالية إضافية على الوزارة نفسها. أما تبعاتُ القرار على الطلبة فإني أعرف جيداً عما أتحدث بحكم ما جاءني من الظروف المرهقة والصعبة دراسيا وماليا ولوجستيكيا ونفسيا لهم، وأختار رسالة بعينها اليوم، لأنها وسط بين الشكوى الصاخبة والتضرّع المرهِق في بقية الرسائل، إليكم الرسالة: "..أكتب لك رسالتي هذه من المملكة المتحدة ومن مدينة ليدز تحديداً، لأعبر لك عن مأساتي ومأساة إخواني الطلبة الدارسين عموما ومن على حسابهم الخاص خصوصا في بريطانيا، كي تنقل للمسؤولين ما نعاني منه وتحنّ قلوبهم علينا، حيث تم إلحاق إخواننا الطلبة في أمريكا وأستراليا وكندا ونيوزلندا ببرنامج الابتعاث واستثنيت بريطانيا بحجة التكدس الموجود فيها.. وأي تكدس يتحدثون عنه؟ لا أحد يعلم! سيسألوننا لماذا اخترتم بريطانيا؟ اخترناها لأن إجراءات القبول فيها أسهل من أمريكا وبقية الدول والحصول على الفيزا البريطانية أيسر، أنا استخرجت تأشيرتي في ثلاثة أيام بينما استخراج تأشيرة لأمريكا سيتطلب ثلاثة أشهر! والقبول ببريطانيا سهل وسريع ومدة الدراسة الجامعية أقل من غيرها، وبريطانيا دولة عريقة ومتقدمة بالجامعات. أتينا لنرفع راية الوطن عالية وأتينا سفراء للوطن لنعود ونخدم وطننا، فلماذا يهمشوننا؟ زار عدة طلبة السفير صاحب السمو الأمير محمد بن نواف وكان متفهماً لمأساتنا ووعدنا خيراً وقال إنه سينظر بالموضوع ويحاول مساعدتنا، وبعد عدة أيام تظهر بالصحف السعودية مقالات للدكتور عبد الله الموسى تصرح بأنه لن يكون هناك أي ابتعاث لطلاب بريطانيا بسبب التكدس الموجود هناك. وأي تكدس الذي يتحدث عنه لا نعلم؟ نعاني كثيراً هنا، ويعلم السفير والوزير والجميع مدى صعوبة المعيشة في بريطانيا، ولكن نحن نعامل كأبناء البطة السوداء، وكأننا لسنا أبناء هذا الوطن كطلاب أمريكا، وغيرها من الدول التي شملها قرار الابتعاث.. أتتخيل أني أصرف ما يقارب 15 ألف ريال سعودي شهرياً تكلفة معيشتي هنا.. وأنا أحاسب نفسي على المصرف، وأنا هنا أدرس وأتعب لأرضي والدي وأثبت له أن ما يدفعه من أموال طائلة لي هنا لن يضيع هباءً، لأني سأرجع رافعة رأسَه ورأس وطني، ولكثير من أقراني أتوا للدراسة ولكنهم رجعوا إلى البلاد بعد أن خسروا الكثير من الأموال ولم يستطيعوا تحمل تكاليف المعيشة والدراسة. طلبوا منا التحويل والذهاب إلى أمريكا ولكنهم لم يضمنوا الابتعاث في فترة قصيرة، وهذا يعني تشتتنا وضياع الوقت الثمين، فنحن مستقرون هنا وملتزمون بعقود سكن سنوية لا نستطيع التخلي عنها، وذهابنا إلى أمريكا معناه إجراءات وتكاليف جديدة وهذا شيء غير منطقي. نحن هنا وأنا باسمي "ز. أ. ف" - كتبت صاحبة الرسالة اسمها كاملا ولكني رأيت الاكتفاء بالأحرف الأولى - وبالذات باسم جميع الطلبة الدارسين على حسابهم الخاص، أطلب النظرَ في أمرنا وعدم تهميشنا، وأتمنى أن يصل صوتنا لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، لأنه لو علم عن أمرنا لما تخلى عنا ولشملنا بمكرمته وعطفه.. أرجوكم لا تجعلونا نخسر أكثر وانظروا لنا، كما تنظرون لأبنائكم بعين حانية وقلب رحيم فنحن أبناؤكم، وما أتينا هنا إلا لندرس فقط. من ز. أ. م. ف- طالبة هندسة كمبيوتر" انتهت الرسالة.. فهل تنتهي القضية؟!