تأخرنا كثيرا في دخول عالم صناعة السيارات، ولكن «أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي». وعلى الرغم من أن المملكة دخلت مجال تجميع السيارات الكبيرة منذ زمن، إلا أن تأخرنا في دخول مجال صناعة السيارات الجيب والسيدان حتى وإن كان في مجال التجميع، صعب المهمة على المنتج الوطني «غزال 1» الذي سوف ينزل إلى الأسواق في السنوات الثلاث القادمة؛ لأن سوق السيارات العالمية رفع مستوى التنافسية عاليا من حيث الشكل والتقنيات ومستوى الأداء، ولا بد للمنتج الوطني الذي سندفع به إلى السوق المحلية أن يكون منافسا في جودته وشكله وتقنياته وسعره أيضا، ولا بد لنا من تجاوز فكرة «أنه سعودي وتعبنا عليه وكلفنا واجد ولازم تكون قيمته عالية لأنه سعودي ما مثله». السوق لا ترحم، وقاعدة العرض والطلب لا ترحم أحدا، ولا يهمها إن كانت «الغزالة» تحمل بطاقة أحوال أو «وافدة»، والمجتمع السعودي صعب الإقناع ومزاجي و«عقدة الأجنبي» تغلغلت في تفكيرنا وحياتنا حتى النخاع، مما يصعب المهمة على غزالتنا لتحظى بإعجابنا ورضانا، و«تحلى في عيوننا مثل غزالة الخواجات أم عيون زرقاء (زينون) وشعر أشقر». وتدشين خادم الحرمين الشريفين ل«غزال 1» يعكس أهمية المشروع ورؤية ملك عظيم يريد نقل شعبه ودولته إلى مصاف العالم الأول، ونحن بلد ينعم بخير كثير، وقادرون على تحقيق هذه الرؤية، وخروج مشروع أول سيارة سعودية من عباءة صرح أكاديمي مثل جامعة الملك سعود امتياز آخر مهم لغزالتنا، ولكن المهم أيضا أن نحرص على أن نجعل منتجنا منافسا في السوق لتكريس شعبيته ورواجه بين فئات الشعب كافة، وقادرا مستقبلا على المنافسة عالميا لنتمكن من تصديره للخارج لنغزو به «الخواجات» ونثير به غيرة غزالاتهم الشقراء في عقر دارها، لذا لا بد لنا من تسويقه والدعاية له وفق معايير عالمية، وأن لا نبخل عليه بالمال ولا الجهد ولا تغيير نمط تفكيرنا تجاه المنتج الوطني الذي ما زال يعاني الأمرين في المنتجات الأخرى غير البتروكيماوية، والتي ما زالت قناعتنا بها أقل من المأمول، وما زالت عاجزة رغم عقود من إنتاجها عن منافسة المنتج الأجنبي الذي يغرق السوق السعودية، ولا يثق به السعوديون رغم هويته الوطنية ويتركونه ويذهبون للمنتج الوافد بشريا وصناعيا أيضا «على العمياني» أحيانا، وبنظر سليم أحيانا أخرى. إن التجارب التي خاضتها الدول العربية والإسلامية كمصر وتركيا على سبيل المثال لا الحصر كانت ناجحة بكل المقاييس؛ لأنها إلى جانب فتح مصانع لكبرى الشركات العالمية التي تنتج سياراتها بنفس معايير الشركات العالمية، تمكنت من إنتاج سيارات محلية بالكامل مثل «نصر» المصرية التي تنتجها مصر بكميات منافسة وتجارية وبأسعار شعبية منافسة في متناول الفئات متوسطة ومحدودة الدخل. ومطلوب منا نحن السعوديين أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون لنقول إننا أنجزنا بحق، وأننا سندخل العالم الأول من أوسع أبوابه اقتصاديا وصناعيا، عندها فقط سنتمكن من دخوله فكريا وثقافيا وعلى كافة المستويات؛ لأن الاقتصاد والصناعة بوابة كبرى ستفتح لنا كل الأبواب المغلقة إذا ما تخلينا عن التفكير المنغلق، ورمينا وراء ظهورنا نرجسيتنا كمجتمع وتطرف الرجعيين تجاه كل ما هو جديد وخلاق في بلادنا