لندع هذا الكلام الدبلوماسي الأقرب إلى التسول السياسي، ولنمنح هذا السرب من شهداء البحر ما يستحقونه من تقدير، فهم جاءوا من أجل كسر الحصار. من أجل أن يكون لقطاع غزة، بل لكل فلسطين معبر بحري. من أجل أن ينتهي الإذلال على معبر رفح. من أجل أن يتمكن الفلسطينيون من الحصول على احتياجاتهم لتعديل ميزان القوى مع عدوهم، وليس الحصول على الغذاء والدواء والحاجيات الإنسانية فقط. نعم لم يأتوا فقط من أجل توصيل ما تحمله السفن من حاجيات على أهميتها، بل جاءوا من أجل كسر الحصار، وكسر إرادة من فرضوه، أكانوا عربا أم صهاينة. هل يعقل أن يأتي مسؤول عربي إلى تل أبيب مؤخرا لكي يطالب القاتل باراك بعدم التهاون في مواجهة السفن القادمة عبر البحر لكي يبقى متحكما بقطاع غزة عبر البر إلى جانب الصهاينة؟! نعم، هؤلاء الرجال جاءوا من أجل مهمة كبيرة، ولا ينبغي أن نمنح استشهادهم بعدا أقل منها، ولن نؤكد الرواية الإسرائيلية حين نقول إنهم لم يصابوا في ظهورهم، بل كانوا يخوضون مواجهة مع القتلة بما تيسر لهم من أدوات، بل بأيديهم وصدورهم العارية أيضا. إنهم جزء من شباب ورجال هذه الأمة الذين يتوقون لمواجهة الغزاة، ولو فتحت الأبواب لرأيت الملايين، بل عشرات الملايين منهم يتدفقون من أجل بذل أرواحهم فداءً لفلسطين، ومن أجل القدس والأقصى، ومن أجل كرامة هذه الأمة التي تستباح في فلسطين، كعنوان للاستباحة في شتى المواقع. تلك معركة رائعة من دون شك، ومن يراها غير ذلك لا يعرف السياسة ولا المعارك بين الشعوب الحية والقوى التي تُنتهك كرامتها. الغزاة اليوم في وضع بائس، بعدما أعادوا لاحتلالهم وجهه القذر أمام العالم أجمع. إنه الاحتلال العنصري الأخير في هذا العالم، والذي آن له أن يبلغ نهايته البائسة المتوقعة. الآن يأتي دور الأمة ووقفتها المشهودة، وهي كانت رائعة في أكثر المحطات. لا نتحدث عن الأنظمة، فهذه ليست في حال يسرّ القلب على تفاوت بينها، مع العلم أن هناك من بينها من يتواطأ مع الحصار، بل ويحرّض عليه ويشارك فيه. ستكون جماهير الأمة وقد كانت بالفعل في قلب المعركة، وهي ستعيد التأكيد على مركزية هذه القضية وأهميتها كعنوان للوحدة، وحدة الأمة في مواجهة من يريدون إذلالها. هذه المرة هناك دول عديدة تشارك في الحملة، وهناك شهداء من أكثر من جنسية، وهو ما سيؤكد الوحدة في ميدان الصراع. شهداء تركيا وجرحاها، ودماء الآخرين، أكانوا شهداء أم جرحى، هي عنوان الوحدة وعنوان التمرد على الذل والهوان. أما الاهتمام الذي رافق شائعة استشهاد الشيخ رائد صلاح، فكان طبيعيا إلى حد كبير، والسبب هو أن الشيخ شخصية استثنائية بكل المقاييس، وحقد المحتلين عليه لا يخفى. إنه حارس الأقصى والحلقة التي طالما أدمت حلوق الغزاة. هي إذن معركة رائعة سيكون لها ما بعدها من دون شك، بخاصة على صعيد الحصار الظالم الذي يتعرض له قطاع غزة، فضلا عن مجمل الملف الفلسطيني، من دون أن نقول إنها ستقلب الموازين في ظل بؤس الموقف الرسمي العربي والفلسطيني، فضلا عن الانحياز الأمريكي السافر للكيان الصهيوني. لقد تدفق الدم الإسلامي والعربي الذي سرى في البحر في شرايين قطاع غزة، كما سرى في شرايين الأمة بأسرها، وفي تقدير الموقف الأعمق يمكن القول إن السفن قد وصلت محطة أفضل من محطتها لو وصلت القطاع، أما المساعدات فهي أقل من الانتصار الذي تحقق، انتصار الدم على السيف، وانتصار الإرادة على الخوف والرعب. سلام على شهدائنا في البحر، سلام عليهم وعلى الجرحى وسائر الذين ركبوا البحر من أجل نصرة فلسطين، وسلام على من ينصرون الحق إلى يوم الدين.