لفت انتباهي تصريحات للمطربة اللبنانية الكبيرة السيدة ماجدة الرومي، أدلت بها على هامش الدورة ال 19 لمهرجان "موازين" بالمغرب، قالت فيها :" إن الدعم الرسمى للفنان سبب مباشر فى نجاحه وأن الفن الراقى من المستحيل أن يتخطى الحدود دون دعم رسمى" وضربت الرومي أمثلة بالسيدة "فيروز" في لبنان و"عبد الحليم" في مصر و"ماريا رودريجيز" في البرتغال و"شارل أزنافور" في فرنسا.. وقالت في أسى :" "لو أمد الله فى عمر رفيق الحريرى لوجدت مثل هذا الدعم". ماجدة رومي تتكلم هنا عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي أن "الدولة" تظل هي أهم عامل من عوامل دعم الكفاءات والمواهب أو وأدها.. وأن أم كلثوم وعبد الحليم رغم الاجماع على موهبتهما، لم يكن لهما أن يحققا مثل هذا الانتشار الواسع لولا دعم الحكومة ووقوف الدولة بكل مؤسساتها الدعائية خلفهما والأمر كذلك بالنسبة لفيروز في مهرجان "بعلبك" الذي دعمته الدولة اللبنانية. وفي مصر التجربة ثرية إلى حد كبير، إذ يوجد صحفيون وكتاب وأدباء موهوبون دعمتهم الدولة وصنعت منهم "روادا للتنوير" ومنهم عديمو الموهبة ولا يجيدون إلا "رش" المياه أمام "دكان" صاحب الجلالة صباح كل يوم. ولكن المؤكد أن خارج هذه الدائرة التي صنعتها السلطة، يوجد الأهم والأكثر موهبة وكفاءة تم وأده وتستيفه في مخازن التجاهل والتهميش لأنه لم يجد من الدولة ما يحظي به "السعداء" من "الشلة" التي انتقتها عيون أجهزتها لأسباب حتى اليوم تظل "سرا".. وإن كان كتاب اعتماد خورشيد الشهير قد كشف جانبا يسيرا من هذا العالم المكتظ بالأسرار وحكايات فاقت في "فضائحيتها" المقاطع الجنسية التي وردت في رواية ألف ليلة وليلة. وإذا كانت الدولة في فترة الخمسينيات والستينيات وإلى بدايات الثمانينيات ظلت قادرة على اختيار ما يؤهلها لأن تظل تمثل نموذجا ل"الإبهار الحضاري" لكثير من دول المنطقة افريقيا وعربيا، إلا أنها منذ السنوات العشر الأخيرة، نجحت بامتياز في تصعيد ما يمثل "الواجهة الأسوأ" في تاريخ مصر الحضاري كله، على كل الأصعدة، سياسيا واعلاميا وعلميا.. حتى باتت موضوعا ل"الشفقة" على ما آلت عليه من أحوال يستحق التعاطي معها بمنطق " ارحموا عزيز قوم ذل". لا يمكن أن يتصدر المشهد الصحفي والإعلامي المصري بكل تلويناته مثل هذه "الشلة" من أنصاف وأرباع المثقفين.. ولا يمكن أن نفصل بين "الحكومي" و"الخاص" فكلاهما وكما قالت ماجدة الرومي بحق "صناعة دولة".. فلولا رعاية الدولة لكثيرمن الفضائيات الخاصة مثلا المملوكة لرجال الأعمال الطفيليين.. لما تقدم اعلاميو تلك الفضائيات باعتبارهم جزءا من "قوى مصر الناعمة" رغم ما هم عليه من الضعف المهني والتأهيل والتدريب والكفاءة والثقافة على نحو لا يؤهلهم لأن يكونوا رؤساء أقسام هامشية في أية صحيفة قومية صغيرة. والمشكلة الأكبر أن هذه "الجينات" المهندسة حكوميا، تحولت بمضي الوقت إلى "مراكز قوى" و"سلطات اعتبارية" أقوى في قدرتها على القمع والتأديب والنفي والإقصاء ومحاربة الخصوم في أرزاقهم من الأجهزة الأمنية العاتية.. بل إن وزراء ومسؤولين كبارا بالدولة بمن فيهم شخصيات نافذة في مؤسسات العدالة باتت تحسب لهم ألف حساب. والحال أن مصاب مصر كبير جدا، ومشكلتها أكبر مما نتوقع.. ويكفي أية اطلالة سريعة على عدد من الملفات آخرها ملف "النيل" لنعرف حجم المأساة والتي تجعلنا فعلا نقلق على مستقبل "وجودنا" كشعب و"حدودنا" كدولة.