محمد بن عبدالله المشوح - نقلا عن عكاظ السعودية لست -حقيقة- من المهتمين كثيرا قراءة للدكتور خالص جلبي حتى أقف اليوم مدافعا أومنافحا عنه، إلا أن ما قرره الصديق والزميل الدكتور محمد الهرفي من اجترار المكان دون استحضار لمسيرة الإنسان فيه ضرب جناية ووصف قصور في حق المتحدث عنه. لم يتعب الدكتور الهرفي نفسه في البحث عن مسيرة خالص جلبي الفكرية سابقا أو لاحقا؛ ليتسنى له بعدئذ الحكم على أثر المكان الذي استدعاه حصرا؛ لكونه أقام في بريدة التي أعقبها علامات استفهام لافتة. وإذا كانت طريقة الدكتور الهرفي طرح الاحتمالات فحسب بعيدا عن الدلالات القطعية، فإن ذات الاحتمال ينسحب بأن إقامة خالص جلبي في بريدة قد تكون هي التي حركت كوامنه الفكرية والعلمية إلى مقام ليس هذا تقييمها أو الحكم عليها. مع إدراك الدكتور الهرفي أن بريدة ليست سوى تشكيل من أطياف الوطن المتعددة، واللمز المناطقي في حديثنا اليوم لمز للوطن الذي أنتسب إليه مع الهرفي. كما أن الزميل يدرك أن الأماكن الراكدة الخامدة لن تقود حتما إلى مزيد تفاعل أو عصف ذهني وفكري وبقية الحكم عليه. إضافة إلى أن العملية الحسابية التي أطلقها المبنية على أن الخروج من بيئة منفتحة إلى أخرى، يفهم القارئ منه -بداهة- أنها مغلقة، لون من الإطلاقات المتوترة التي عاتب فيها الهرفي الدكتور خالص جلبي. والمتبادر أن تكون الأفكار اللاحقة متشددة؛ قياسا إلى البيئة التي يستلهم منها أفكاره ورؤاه. إلا أن خالص جلبي قدم رؤى مخالفة للسائد في بريدة، مما يقرر مفهوم النضج والنظرية الفكرية التي كونها وقادته إلى تقديمها في هذا السن وفي هذه البيئة التي عاش في كنفها. ليس من اللائق في نظري إسقاط مكاني أو مناطقي سوف يقودنا حتما إلى استدعاء أسماء ومسميات وشخصيات تحمل مضامين مخالفة لتلك النظرية التي قدمها الدكتور الهرفي. فهل قدوم القصيمي إلى مصر المنفتحة -حسب التسمية الهرفية- قادته إلى تلك الآراء المطروحة الآن؟ وهل الأجواء المنفتحة للقوائم الليبرالية التي يعيش إلى جوارها الدكتور الهرفي تشدد وتطرف ديني وفكري وآيديولوجي، سببها الأماكن والمناطق؟؟ وهل (العدامة) و(أطياف المهجورة) و(ريح الجنة) و(الكراديب) و(الشميسي) و(من هنا يبدأ التغيير) و(جروح الذاكرة) التي أطلقت من الدمام سببها البيئة التي عاش فيها تركي الحمد؟! ليس الأجدر في نظري أن نعيش على إسقاطات معينة تشطح بنا بعيدا عن المناقشة العلمية الهادئة تجاه الآراء الأخرى التي سوف يجد فيها الكاتب حتما عناء، بدلا من السياقات السيارة التي لا تكلف سوى التحرير المناطقي والمكاني العابر للحكم عليها. لقد حاولت مرارا قراءة مقال الزميل الهرفي للبحث عن تعليل وتخريج لإقحام اسم (بريدة) في الحديث عن خالص جلبي، لم أجد شيئا. ولن أقع فيما عتبت فيه على الهرفي في الحجز والحشر المناطقي المدائني!! كما آمل مزيدا من الإيضاح للقراء من زميلنا الهرفي عن إطلاقة التغيير التي أطلقها على خالص جلبي نتيجة إقامته في بريدة. إن (بريدة) وأعلم يقينا أن أجواءها العلمية وأوساطها الثقافية ليست واضحة بشكل كافٍ للدكتور الهرفي ومن ثم يقبل منه هذا الإسقاط. وأن لا تعصف بنا الكوامن العاطفية المناطقية بعيدا عن المنهج الفكري الرصين القائم على الاستقراء والتمعن والتأمل والدراسة، بعيدا عن روح التخمين والذاتية الفردية!! المشكلة لدى كثير من المثقفين أن روح البحث والتنقيب الفكري تبدو غائبة، ليتم حينئذ استدعاء رشاقة القلم في كتابة مدونة صحفية مجردة. إن المقارعة العلمية الواقعية هي التي نحتاجها بدلا من ذائقة (العطور) التي نتوخاها في حديثنا عن الفكر والثقافة، وكأن الفكر رائحة أجدها هنا وأعرض عنها هناك. آمل أن يعيد الدكتور الهرفي مناقشة علمية جادة بعيدة عن الأسلوب الإنشائي الذي مللناه في مناكفاتنا مع الآخرين، مذكرا بتراجعات البعض عن تلك الروح التي يتحدث بها الهرفي مثل الحوار مع الغزالي والقرضاوي وغيرهما فأغلظنا القول وخسرنا الحسنى. أما (دليل) فلها حديث قادم أتفق فيه تماما مع صديق الجميع الدكتور محمد الهرفي.