حليمة مظفر *نقلا عن "الوطن" السعودية اختطاف آيات القرآن الكريم من سياق معناها اللغوي؛ بقصد ليّ أعناق النصوص؛ وهو ما يكثر فيما يتعلق بالمرأة؛ للاستشهاد على صحة أحكام تتفق مع عادات البيئة الاجتماعية العربية الذكورية لتقرير ملكيتها للرجل؛ يُعتبر محاولة للكذب والافتراء على الله تعالى بما يتنزه عنه؛ وقد تعذُر جاهلا يقوم بذلك؛ لكن كيف تعذُر من قصد لذلك من بعض الدعاة والشرعيين الأكاديميين!؟ أليس هذا مما يصدق فيه قوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ". ومثل ذلك قوله: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى" للاستشهاد على دونية المرأة وتفضيل الرجل عليها في دين الله؛ وهو ما يكثر العامة ترديده؛ نقلا عن قدماء تناولوها اجتهادا بتأثير سياق مجتمعهم الذكوري العربي؛ ولم تُسعفهم أدوات زمانهم وعلومه على البحث والمراجعة الدقيقة؛ لكن بعض الشرعيين المغالين في نظرتهم للمرأة بدونية نقلوها عنهم؛ دون فحص ومراجعة؛ يوجبه عليهم التخصص الشرعي؛ وتطور أدوات البحث؛ ووفرة العلوم ومناهجها؛ فحمّلوا الآية على ظاهرها معنى مجتزأ ؛ وتجاهلوا البيّنة المعلومة في سياقها اللغوي الكلي؛ ثم استشهدوا بها وبغيرها في تعزيز عادات اجتماعية ضد المرأة جاء الدين يُهذبها؛ ثم أخرجوا ذلك في خطب رنانة وأشرطة دينية وحلقات تلفزيونية وكُتيبات؛ تم ترديده في آذان النساء؛ كي يتقبلن برحابة صدر وقوع الظلم عليهن وسلب حقوقهن المدنية المباحة من باب طاعة الله وفضله؛ وكيف لا ؟! فهن ينظرن لأنفسهن أنهن أدنى من الرجل مكانة في دين الله؛ إلا أن هؤلاء بما حدثوا به كأنهم يطعنون في عدل الله تعالى بين خلقه ! بل أصاب بعضهم الغرور بالغلو والعناد؛ فاستشهد بالآية على كمال خِلقة الرجل ونقص خِلقة المرأة؛ على اعتبار الأنوثة نقصا بما تعتري طبيعتها من ضعف وحيض ونفاس؛ والذكورة اكتمالا لخلوها من ذلك؛ وكأنهم يطعنون في قدرة الله تعالى على عدم إكماله خَلقه للمرأة والعياذ بالله . والمزعج تعاميَهم قصدا؛ انتصارا لذكورية المجتمع وعاداتهم الجاهلية؛ عن آيات جليَّة تُثبت مساواة الرجل والمرأة في المكانة في دين الله؛ في العبادات والحقوق والواجبات والعقوبات؛ جاعلا الاختلاف في طبيعتهما بين الذكورة والأنوثة؛ ميزة ينفرد كلاهما بها؛ كي تُكمل ما نقص لدى الآخر منها؛ دون تفضيل لأحدهما؛ تصديقا لقوله"لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ". فالعلاقة بينهما علاقة تكامل لا صراع. وكذلك في قوله "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ". فالخطاب للناس جميعا؛ رجالا ونساء؛ و أن أصلهم ذكر وأنثى؛ والتفضيل بينهما ومن جاء من نسلِهما هو التقوى؛ والأدلة عديدة على ذلك.فمن أين جاء هؤلاء المغالون الآن بافترائهم ؟! أما"وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى" فخاصة بمريم عليها السلام دون غيرها؛ دليل اختيار الله لها لتكون من أنبيائه المصطفين؛ فكيف ذلك !؟ .. غدا نكمل.