عبدالرحمن الوابلي * الوطن السعودية من سنن الله التي لا تقبل لها تبديلاً، سنة خلقه البشر من ذكر وأنثى. حيث قال تعالى " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم". ٍأي أن اللبنة الأساسية لتركيبة المجتمعات وديناميكية حركتها وسيرورتها تقوم على الذكر والأنثى. والعبرة بما يستطيع أن يعطيه الفرد للمجتمع ذكرا كان أم أنثى. وإن معيار التفاضل بين الناس هو التقوى ولا شيء آخر غيرها. وهذا يتسق مع عدل الله في عباده، فلا يمكن أن يفضل من خلقه هو "الذات الإلهية العادلة" الذكر على من خلقها هو "الذات الإلهية العادلة" أنثى. فليس منا ذكر كان أم أنثى من اختار نوعه، ولكنه خيار "الذات الإلهية" له أو لها، وهو خير الخيرة والاختيار. وجعل التفضيل بيننا ذكورا وإناثا، بما اختارته لنا "ذواتنا البشرية" وهي التقوى. وهذه عدالة الله في خلقه ورحمته بهم، والتي عليها استحق العبادة والشكر له من خلقه ذكورا وإناثا، دون غيره، لا شريك له. فللعدالة الإلهية روح تصبو وتهدف لها وهي العدل بين خلقه والذود بها عن حقوقهم. إذاً فلماذا نسمع من حين لآخر من يخرج علينا من وعاظ ومؤدلجي العامة متحدثين بدعوى فهم المقصد الإلهي مدعين أن الله قد فضل الذكر على الأنثى؟ وذلك في ترديدهم الآية الكريمة "وليس الذكر كالأنثى...الآية"؟ ليتم بها شحن العامة والجهلة وإسباغ على جهالتهم وعنصريتهم الفحولية النتنة ضد النساء قداسة إلهية. حيث أخذ الجهلة يرددون عند ظلمهم للنساء وتسلطهم عليهن والاعتداء على كرامتهن وحقوقهن هذه الآية كدليل على أفضلية الذكر مطلقًا على الأنثى دون قيد أو شرط،؛ مع أن تأويلها الأقرب لإرادة العدالة الإلهية يعطي معنى مغايرًا لما يستدلون به. وهنا أنقل قصة هذه الآية وبعض آراء المفسرين (المؤولين) لها كما أوردتها وعلقت عليها الدكتورة نوال العيد في مجلة آسية النسائية الإلكترونية. "الآية كاملة هي : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. والمراجع لكتب المفسرين يجد أن تفسير قوله تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} مرتبط بما قبله متصل به، وأن معنى الآية يختلف باختلاف القراءة الواردة فيها، والآية لها معنيان: 1 جاءت قراءة الجمهور بسكون التاء في قوله {وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} فيكون قوله تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} من كلام الرب تبارك وتعالى على جهة التعظيم لما وضعته، والتفخيم لشأنه، والإجلال لها، حيث وقع من أم مريم التحسر والحزن على إنجاب الأنثى مع أن هذه الأنثى التي وضعتها سيجعلها الله وابنها آية للعالمين، وعبرة للمعتبرين، ويختصها بما لم يختص به أحدًا.. لقد تمنت أم مريم ذكرا تنذره لخدمة بيت المقدس تلك البقعة المباركة، فحقق لها الكريم فوق ما تتمنى إذ رزقها امرأة سيكون لها ولابنها شأن عظيم، وستتسع دائرة النفع لتتعدى خدمة بيت المقدس لدعوة أفراده، وعلى هذا المعنى تكون اللام في الذكر والأنثى في هذه الآية للعهد، فليس الذكر الذي تمنيته يا أم مريم كالأنثى التي وضعتها، إن الأنثى التي وضعتها أفضل عند الله، وأعظم شأنا، فتكون الآية في تفضيل الأنثى التي وضعتها مريم عليها السلام على الذكر الذي تمنته، يقول أبو السعود: "وليس الذكر كهذه الأنثى في الأفضلية". 2 وقرأ أبو بكر وابن عامر بضم تاء {وضعتُ}، فيكون قوله تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} من جملة كلام أم مريم، ومن تمام تحسرها وتحزنها أي ليس الذكر الذي أردت أن يكون خادمًا ويصلح للنذر كالأنثى التي لا تصلح لذلك، وإنما كانت الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة لما يعتريها من الحيض؛ ولأنها لا تصلح لصحبة الرهبان، لقد كانت أم مريم تنتظر ولدا ذكرا، لأن النذر للمعابد لم يكن معروفا إلا للصبيان ليخدموا الهيكل، وينقطعوا للعبادة، والتبتل، ولكن هاهي ذي تجدها أنثى فتتوجه إلى ربها، لبيان حالها {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا} وكأنها تعتذر أن لم يكن ولد ينهض بالمهمة، فتقول {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} فتكون الآية، إخبارا عن قول أم مريم؛ فلم تأت الآية إذن لتقرير واقع، وإثبات حقيقة، ولم تقصد أم مريم الانتقاص من شأن الأنثى؛ وإنما قالت ذلك لتبين أن وظيفة الذكر مختلفة عن وظيفة الإناث، وما يصلح له لا يصلح لها، لكن تبين لها ولغيرها فيما بعد أنها رزقت بأنثى فاقت الذكور حظا، وتقبل الله هذه البنت بقبول حسن، وقامت بالدور الذي تمنته أمها، بل كانت أمًّا لرسول من أولي العزم. يقول الشيخ السعدي رحمه الله: "كان في هذا الكلام نوع تضرع منها وانكسار نفس حيث كان نذرها بناء على أنه يكون ذكرا يحصل منه من القوة والخدمة والقيام بذلك ما يحصل من أهل القوة، والأنثى بخلاف ذلك، فجبر الله قلبها وتقبل الله نذرها وصارت هذه الأنثى أكمل وأتم من كثير من الذكور، وحصل بها من المقاصد أعظم مما يحصل بالذكر". وفي هذا عظة وعبرة لكل أب وأم؛ فالخيرة فيما يختاره الله، وكم من أنثى نفع الله بها والديها ما لم ينفعهما بذكر، وتأمل قوله تعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} كيف قدم هبة الإناث على الذكور، وقد كان الأنبياء آباء بنات، فلنسع لحملة توعوية شرعية لفهم النص الشرعي في سياقه، وفي ضوء فهم السلف الصالح له." نهاية نص الدكتورة نوال. وأنا هنا أضم صوتي لصوت الدكتورة نوال وأناشد كذلك كل بناتنا ونسائنا بأننا فعلاً بحاجة لمراجعة النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، خاصة المتعلقة منها بالنساء، وإعادة قراءتها وتأويلها بما يتوافق وروح العدالة الإلهية؛ ولن يتسنى لنا ذلك إلا بجهود باحثات، متمكنات من العلوم الشرعية مثل الدكتورة نوال. حيث العلوم الشرعية في تاريخها الطويل، كتبت بأقلام رجال، ومهما حاول الرجل أن يكون محايداً في تأويل ما يتعلق منها بالشأن النسائي، يظل رجلاً، هذا إذا لم يكن ينطلق من رؤية ذكورية يعي ذلك أو لا يعي. إذن فنحن بحاجة إلى باحثات ومفكرات إسلاميات، متمكنات من العلوم الشرعية متزودات بمناهج معرفية حديثة، واثقات بأنفسهن وبالعدالة الإلهية. وعلى أيديهن لن يتم إعتاق أنفسهن وبنات جنسهن لهن فقط؛ وإنما ليساعدننا نحن الرجال على إنقاذ أنفسنا أيضاً من براثن الخطاب الدعوي الذكوري الذي يداعب غرائزنا ويبعث فينا فحولتنا الغابرة جيلاً بعد آخر. ولسنا بحاجة إلى داعيات يرددن أدبيات مواعظ الفحولة وأجندات تيارات إسلاموية سياسية ماضوية جعلت الحجر على النساء محور أجنداتها السياسية، اللواتي أصبحن عوناً على بنات جنسهن لا عوناً لهن، وتسليطًا لنا على أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا.