ما قاله طيب أردوغان للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن السلاح النووى الإسرائيلي وموقفه من العقوبات على إيران لم يقله زعيم عربي، تماما كما أن ما قاله في قمة سرت عن ارتباط مصير إستانبول بمصير القدس لم يقله أيضا أي زعيم عربي، كما أن أحدا لا يستطيع أن ينسى موقفه في مؤتمر دافوس، حينما ترك المنصة احتجاجا على ما قاله الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بخصوص فلسطين، في حين بقي عمرو موسى في مقعده لم يغادره. في المؤتمر الصحفي الذي عقد بأنقرة يوم الاثنين الماضي (29/3) عبر أردوغان عن موقفه الشجاع والحازم إزاء ما قالته المستشارة الألمانية، التي جاءت إلى العاصمة التركية لتطلب منها التصويت إلى جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في قرار فرض عقوبات على إىران بسبب مشروعها النووي، حين يعرض المشروع على مجلس الأمن خلال شهر أبريل الحالي. في رده قال أردوغان إن تركيا ترفض سياسة فرض عقوبات على إيران، وتفضل الاستمرار في الاتصالات الدبلوماسية معها. وأضاف أن بلاده تشترك مع إيران في حدود بطول 380 كيلو مترا، وتعتبرها شريكا في مجال الطاقة، وهو اعتبار لا يمكن تجاهله في تقييم علاقاتهما الثنائية وأهميتها، كما أنه شكك في فاعلية فكرة العقوبات، التي سبق أن صدرت بها ثلاثة قرارات لم تثن إيران عن المضي في مشروعها، ولم يكتف رئيس الوزراء التركي بذلك، ولكنه ذكَّر المستشارة الألمانية بأن ثمة دولة في الشرق الأوسط لا تخضع للعقوبات بسبب امتلاكها الأسلحة النووية. وكانت تلك إشارة واضحة إلى إسرائيل التي اعتبرها دولة مستثناة من القوانين والأعراف السائدة. هذه اللغة لم يستخدمها أحد من قادة الدول العربية «المعتدلة»، التي لم تمانع في توقيع العقوبات على إىران بحجة أن القرار إذا صدر عن مجلس الأمن فقد أصبح جزءا من «الشرعية» الدولية، وفي الأسبوع الماضي صرح أحد وزراء الخارجية الخليجيين بأنه في هذه الحالة ستلتزم بلاده بقرار المجتمع الدولي أما إشارة أردوغان إلى إسرائيل والغمز بأنها مستثناة من العقوبات رغم امتلاكها للسلاح النووي، فهي أكثر وضوحا وشجاعة من الموقف الذي يردده المسؤولون في مصر وغيرها من دول «الاعتدال». الذين دأبوا على القول إنهم يؤيدون إخلاء المنطقة كلها من السلاح النووي، دون أي تلميح إلى شذوذ الوضع الإسرائيلي. ما يثير الانتباه أن أردوغان وهو يعبر عن هذه المواقف الشجاعة يظل محسوبا على دول الاعتدال، سواء في عضوية بلاده لحلف الناتو أو ارتباطها بالولاياتالمتحدة، أو حتى علاقة بلاده مع إسرائيل، وهو ما يثير سؤالا جوهريا هو: لماذا اختلفت مواقفه عن مواقف الدول التي توصف بأنها معتدلة في عالمنا العربي؟.. ردي على السؤال في نقطتين، الأولى: أن الرجل يملك قراره المستقل، الذي يتحرى فيه المصالح العليا لبلاده، ولا يتردد في الانحياز إلى تلك المصالح، حتى إذا تعارضت مع مصالح الدول الكبرى، وفي مقدمتها «حلفاؤه» في الولاياتالمتحدة. النقطة الثانية: أن الرجل تقلد منصبه استنادا إلى فوز حزبه في الانتخابات بأغلبية معتبرة، ولأنه جاء مؤيدا من الأغلبية، فإنه لا يستطيع أن يتجاهل موقعها أو يتحدى إرادتها، وإلا فقد ثقة الجماهير وخسر موقعه في أول انتخابات مقبلة. الوضع مختلف تماما في بلادنا، فأنظمتنا لا تملك قرارها واستجابتها للضغوط الأجنبية مضمونة دائما، حتى في المسائل الصغيرة كتلك المتعلقة بمناهج التعليم ومشاركة النساء في السلطة، ثم إنها أنظمة غير ديمقراطية، ومن ثم فهي ليست معنية برأي الشارع ولا بمشاعره (خذ الاشتراك في حصار غزة مثلا) كما أنه ليس لديها أي قلق من اهتزاز مكانتها في أي انتخابات قادمة، ناهيك عن أنها ضامنة لتأييد المجالس النيابية التي عادة ما تشكل بالتزوير الذي نعرفه. هناك فرق آخر أستحي من ذكره وأسجله من باب الأمانة فقط، هو أن القادة في تركيا لديهم اعتزازهم الشديد بكرامة بلدهم وكبريائها، فقد اعتبروا أن زيارة أحد الوزراء الإسرائيليين لأنقرة قبل أسبوع من العدوان على غزة دون إخبارهم بها إهانة لهم، كما أنهم أصروا على أن تعتذر لهم إسرائيل حين أسيئت معاملة السفير التركي لدى تل أبيب. أما نحن فنتذكر الكرامة والكبرياء في بعض المناسبات دون غيرها.. ومع الأشقاء دون غيرهم!