بعد فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك -عفا الله عنه- والتي جانبه فيها الصواب، عندما كفّر من لم ير تحريم الاختلاط، كنت أنتظر أن تتم إدانة هذه الفتوى باعتبار أنها خطأ علمي وخطأ منهجي كبير جداً، انطلقت منه الفتوى، ذلك أن العلماء من أهل السنة والجماعة، لا يكفّرون من استحل محرماً غير معلوم بالضرورة، فما بالك بأمر مُختلف حوله، وكثيرون لا يرون فيه حرمة! الغريب في الأمر هو لماذا سكت كثير من العلماء والمشايخ والدعاة عن إدانة هذه الفتوى، ولم نرَ إلا أولئك ال 26 الذين أيدوا فتوى البراك.. أين البقية؟ كنا نتوقع أن نسمع صوتهم عالياً، على اعتبار أن الفتوى فتحت باباً لا يمكن إغلاقه بسهولة في تكفير المخالف لمجرد أنه مخالف، والجميع يعلم بلا استثناء أن تحريم الاختلاط ليس معلوماً من الدين بالضرورة، فهو ليس حكماً قطعي الثبوت كتحريم الربا، أو الزنا، أو الخمر، ونحوها من الأحكام الشرعية التي هي معلومة من دين الإسلام بالضرورة. وعلى رغم أن العلماء -رحمهم الله- لا يُكفّرون من قال بجواز معاملة معينة من معاملات الربا التي هي محل خلاف المجتهدين من العلماء. والجميع يعلم أن الاختلاط لم ينزل فيه نص صريح، بل هو حكم اجتهادي، بل هناك كثير من الفقهاء من داخل المملكة وخارجها قالوا إن هذا اللفظ «الاختلاط» هو لفظ محدث في العصر الحديث، ولم يكن من الموضوعات التي تداولها الفقهاء في كتبهم وآثارهم. ولا أنسى أن أذكر هنا حديث ابن عمر في صحيح البخاري «كان الرجال والنساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضؤون جميعاً». عموماً، لن أتحدث عن الاختلاط باعتباره حكماً شرعياً، بل إنني أتحدث هنا عن موضوع آخر، وهو سكوت غريب من العلماء والمشايخ والدعاة حول إدانة هذه الفتوى، فهل هناك اتفاق خفي بين العلماء والمشايخ بعدم التعرض لبعضهم بعضا، حتى ولو كانت فتوى غريبة وتفتح باباً لتكفير المسلمين، واستباحة قتلهم، وإراقة دمائهم، وتيتيم أطفالهم، وترميل نسائهم، وتمزيق الوحدة الوطنية؟ هل هذا المثال صارخ للانزعاج من سكوت البعض عن قول الحق لمجرد أن القائل له قيمته ومكانته العلمية، وكأن الحق يأتي في الدرجة الثانية من الأهمية بعد الفتوى و«شخص» من صدرت عنه تلك الفتوى؟! أم أن العلماء صارت تعييهم كلمة الحق لدرجة أن بعضهم بات يجامل البعض الآخر على حساب الحق؟ إنني أضع هنا مسؤولية الدين أمام العلماء والمشايخ، فتكفير الآخر، بات مصطلحا سهلا للغاية، بل إنه سهّل المهمة على الإرهابيين وكفاهم شر الجانب التنظيري لما يقومون به، فعندما تصله هذه الفتوى، يبدأ في تطبيقها على كل من يراه، بغض النظر عن هذا الحكم، هل هو معلوم بالضرورة أم محل خلاف بين العلماء؟ فهؤلاء الإرهابيون لا يقرؤون. إنني هنا أضع العلماء والمشايخ وطلبة العلم أمام مسؤوليتهم في إنكار هذا المنكر، وعدم مجاملة أي شيخ، مهما كان كبيراً في سنه وقدره، فالحق أحق أن يُتّبع، مع احترامي البالغ للشيخ البراك وغيره من العلماء، وأن خطأه شيء طبيعي، لأنه إنسان، لكن من الضروري عدم التهاون فيه، لأنه يفتح ما أغلقه العلماء الأوائل من أبواب شر لا يعلم بها إلا الله. وإنني أتساءل مرة أخرى وهذا التساؤل المطروح كعنوان لهذه المقالة: هل هناك اتفاق خفي بين العلماء والمشايخ ألا ينكر بعضهم على بعض أخطاءهم، وأن الإنكار مقصور على المثقفين الذين يختلفون مع المشايخ؟ أرجو أن أكون مخطئة. كاتبة من السعودية