هل قرأت بحث الماجستير للباحثة «جنة أحمد يوسف»، الذي نالت به درجة الماجستير من جامعة الملك سعود؟ كانت دراسة ميدانية عن «الإيذاء اللفظي ضد الأطفال» في مدينة الرياض، وشملت 450 طالبة من طالبات المرحلة الابتدائية «الصف الرابع، الخامس، السادس»، وجمعت البيانات من مدارس حكومية، وكان العنف متجليا في شرق الرياض ثم يقل تدريجيا في الجنوب والغرب والوسط إلى أن تخف وتيرته في الشمال. كانت نسبة العنف مخيفة 85%، ولم تكن من المعلمات، بل من الوالدين يا صديقي، هذا يعني أن وتيرة العنف ترتفع أكثر في المدارس، لأنه ومن الطبيعي والمنطقي ألا تكون المعلمة أحن على الطفلة من والديها. وبما أنني أتحدث عن الطبيعي والمنطقي، من المنطقي أيضا ألا يكون المعلمون أحن وأكثر رقة من المعلمات، وهذا يجعلنا نخلص إلى أن تجليات العنف تكون في مدارس الأولاد. ألهذا كلما خرج أحدهم من بيته وجد سيارته «محكوكة» بمسمار أو حجر، من أطفال يظن أنهم أشقياء، ولأنه لم يقرأ الدراسة لن يشفق عليهم. على ذكر الحجر، مازلت أذكر صديق الطفولة «محمد»، الذي كان والده يضربه بقسوة، ويربطه «بالحوش» لتشويه الشمس، وكان الكبار يخبروننا بأن ما يحدث لمصلحة محمد، وكنا لا نعرف ما المصلحة التي سيجنيها محمد حين تشويه الشمس؟ كان محمد وبعد كل عقاب يكسر «لمبات» الجيران، ذات مرة وبعد أن ضرب بقسوة، لم تشفع صداقتي له وكسر «لمبة» بابنا، شاهدته من النافذة، نظر لي بخوف، وقلت له ليصدقني: «يا رب أموت إن علمت عليك يا محمد». ذات مرة ونحن نلعب لعبة الأماني، لم يفاجئنا محمد حين قال: «يا رب يموت أبي»، عبدالرحمن تمنى موت المدير لأنه بين فترة وأخرى يضربه «فلكة» لمصلحته، فيما البقية كانت كل أمانيهم قائمة على موت أحد الكبار، أما أنا كانت أمنيتي أن أرحل من هنا، فوالد محمد والمدير والمدرسون وإمامنا يخيفونني، وكنت أفز من النوم أتصبب عرقا لأن والد محمد كان يربطني في الحلم لتشويني الشمس. تحققت أمنية محمد سريعا، تخلص من العنف ليتلقفه الفقر، عبدالرحمن لم تتحقق أمنيته فقد مات هو في العراق بعد أن فجر نفسه، فيما أنا مازلت أنتظر حلمي ليتحقق، وخوفي مازال يتمدد بداخلي، ربما بسبب هذه الدراسة التي تؤكد أن تجليات العنف مازالت تنتقل من جيل إلى الآخر، ولا أحد يريد إيقاف كل هذا العنف، لا أحد يريد تفسير ما الحكمة في أن تشوي الشمس طفلا. التوقيع: صديقك