أنهت دبي، هذه الامارة الصغيرة الراقية عصر القدرات الخارقة لأجهزة الاستخبارات الدولية. بعبارة قصيرة أجهزت دون ضجيج على امكانيات العمل السري الاستخباراتي الذي تفوق به "الموساد". كان المؤتمر الصحفي لرجل الأمن اليقظ الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي ومفاجأة شريط الفيديو الذي كشف كل تفاصيل العملية السرية التي اغتالت القيادي في حماس "المبحوح".. نقلة نوعية لم يتصورها أمهر وأذكى رجال الاستخبارات في العالم كله. من كان يتصور أن يسقط "الموساد" في فخ التكنولوجيا الذي طوعه رجال الأمن الاماراتيون للحفاظ على بلدهم واستقرارها بهذه الكيفية المتقدمة. هل كانوا يجهلون أن هناك كاميرات تصور خط سير مجرمي الخلية ال"11" منذ هبوطها في مطار دبي، والفلسطينيين الاثنين اللذين قدما لها دعما لوجستيا؟! الجميع يعلم أن في دبي كاميرات منتشرة في كل مكان، لكن الجديد الذي عرفه العالم بعد مفاجأة ضاحي خلفان هي القدرة الفائقة على تسخيرها لتعمل كل منها ككل متكامل، وقراءتها بذكاء أمني شديد، والتوصل إلى هويات الفاعلين خلال وقت قياسي. لم اسمع من قبل ولم اقرأ أن جهاز أمن واحدا في العالم مهما بلغت سمعته، فعل ما فعلته شرطة دبي التي صدمت الإسرائيليين وأدهشت العالم وأثارت حيرة الاستخبارات الدولية عن كيفية تطوير أدائها في وجه تكنولوجيا تصور حركة النملة. يقول الكاتب بن كاسبيت في صحيفة معاريف الاسرائيلية " من اغتال المبحوح تورط. المعلومات الاستخباراتية كانت نوعية. التنفيذ كان مصقولا، المنفذون جاءوا وخرجوا من دبي بسلام وكل شيء سار كالساعة. الضرر تبين أول أمس في المؤتمر الصحفي المذهل لشرطة دبي، التي تخرج بأنها الافضل في هذه القصة". ما زالت الدهشة الشديدة تغرق كلمات الكاتب الاسرائيلي وهو يقول "لم يصدق أحد أن يكون ممكنا اغلاق دائرة وتنفيذ ربط بين كاميرات المطار وكاميرات الفندق ولكنهم في دبي قاموا بعملية مراقبة، واستثمروا الطاقة والتكنولوجيا كي يعرضوا جوازات سفر ال 11 بالبث الحي، للعالم بأسره. لشدة السخرية، يتبين الآن ان بعضا من المنفذين، يعيشون في اسرائيل. السطر الاخير: نجاح تنفيذي تكتيكي، فشل استراتيجي". تدرك المعاريف وغيرها من الإعلام الاسرائيلي الحرج الذي أوقع فيه الموساد دولته.. فتقول: اغتيال المبحوح ينقل العالم، دفعة واحدة إلى العصر الجديد. العصر الذي لن يكون ممكنا فيه عمل أي شيء سري دون تفوق تكنولوجي. بعد زمن قصير، ستكون الكاميرات ووسائل البحث بيوتكنولوجية، وستسمح باستعادة كل شيء، في كل مكان، ولن يكون ممكنا خداعها. الحرج كبير حين يتبين بأن جوازات السفر تعود لمواطنين اسرائيليين، سيكونون من الآن فصاعدا تحت مطاردة الانتربول الدولي. يتواصل الحرج الاسرائيلي في قول "معاريف": ليس لدينا فكرة عمن يقف خلف الاغتيال في دبي. ولكن إذا ما حصل هذا، مثلا، لمنظمة استخبارية بريطانية، لكان جرى استماع في البرلمان. وفي أمريكا أيضا، كان سيسود حرج كبير حيال مثل هذا الأداء. بدورها عزفت صحيفة "هآرتس" نفس العزف المرير وهي توجه لوما شديدا لرئيس حكومتهم نتنياهو، وبأنه يجب أن يشعر بمرارة حادة، وبالورطة السياسية، فالأزمة ليست متوقعة مع دبي فقط، بل مع الدول التي استخدم المغتالون جوازات سفرها. مرة أخرى بريطانيا ومرة أخرى أخرى ايرلندا، ثم فرنسا، وكأن حكومات اسرائيل لم تعتذر في الماضي أمام سلطات لندن على استخدام الوثائق البريطانية، وكأنهم لم يقسموا، بعد ان عثر على جوازات جلالة الملكة في حجرة الهاتف، بانهم لن يفعلوا ذلك مرة أخرى أبدا. وتقول هآرتس في معزوفتها المأساوية: الدول لا تغفر مثل هذا المس الوقح بسيادتها. ايطاليا هاجمت في السنوات الاخيرة دون رحمة السي.اي.ايه التي اختطفت مشبوها مصريا بالارهاب. الضربة التكنولوجية الهائلة التي وجهتها شرطة دبي جعلت الاعلام الاسرائيلي يطالب نتنياهو باقالة رئيس الموساد فهي هزيمة قاسية ومؤلمة. الدرس انتهى يا "موساد" .. وشكرا لذكاء ومهارة شرطة دبي وتقنياتها العالية، فهي بحق ليست فخرا للخليج فقط، بل لكل العالم العربي والإسلامي.