عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا طالب مبتعث في الخارج، ولي أصدقاء من مختلف دول العالم، ومن مختلف الديانات، وبين الفترة والأخرى يكون هناك نقاشات عن الأديان، وخصوصا عن دين الإسلام، وهناك نقطتان دائما أقف حائرًا ولا أملك أجابة للرد على تساؤلات هؤلاء المشككين في الإسلام.. النقطة الأولى: دائما ما يسألون ما هو السبب في أن دينكم يمنحكم الحق في الزواج من أربع زوجات؟ وما الحكمة من ذلك؟ ولماذا لا يكون للمرأة حق أيضا في أن تتزوج من أربعة رجال؟ النقطة الثانية: لماذا المرأة تلبس الحجاب؟ وما هو السبب المنطقي في ذلك؟ ولماذا لا يلبس الرجل مثل المرأة ليكون هناك عدل وإنصاف؟ علمًا أن هؤلاء المجادلين لهم ديانات لا تقر بالإسلام، أي لا يؤمنون إلا بالمنطق فقط.. أريد نصيحة لإقناع مثل هؤلاء لدخول الإسلام، وما هي الخطوات المثلى لدعوة الشخص للإسلام؟ الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: أخي الفاضل لقد أشرت في سؤالك إلى شيء مهم سأنطلق منه أولا وهو قولك: (علمًا أنهم أناس لا يملكون دينًا أو من ديانات لا تقر بالإسلام، أي لا يؤمنون سوى بالمنطق فقط) وفي ضوء هذه الإشارة الهامة سيكون الجواب مختصراً قدر الإمكان، وأقول وبالله التوفيق: عند الخلاف مع أي شخص كان، وفي أي مسألة كانت لا بد أن نلتقي نحن وإياه في مسائل ونختلف معه في أخرى، وعند النقاش نبدأ بأهم المسائل التي نختلف فيها، إذ ليس من المعقول أن تناقش ملحداً عن النبوة والكتاب وهو لا يؤمن بمن خلقهم وكلفهم بها؟؟ فنبدأ معه من حيث إثبات الخالق جل جلاله، ثم نتدرج بعد ذلك في النقاش حول هل يمكن أن يخلق عبثاً؟ ثم ماذا هل يمكن أن يخلقهم دون إرشاد وتوجيه،، وهكذا، ولا يصح أن تناقش من لا يؤمن بالأديان بتفاصيل ما بداخلها من حلال وحرام.. ومن ذلك فوائد التعدد في الزواج بشروطه المعروفة، منها عقلا أن الله فطر جملة الذكور على حب الإناث وعدم الاكتفاء بواحدة على الأغلب، وما في التعدد من فوائد عظمى للفرد والمجتمع، وتبرهن على صحة ذلك من خلال نصوص الشرع بأنواع من الأدلة.. كما تبين له فوائد الحجاب والعفة عقلا وشرعاً. أما إن كان المناقش من أهل الأديان فالأمر بحسبه فنثبت له عقلاً حسن شرعنا وأنه فيه من الخير والبر والهدى الكثير، بأنواع من الأدلة العقلية والمنطقية، ونثبت له كذلك بما في كتبهم من الحض على مكارم الأخلاق وترك الفواحش والأمر بالحجاب والستر، وأنه من منهج الأنبياء، هذا إذا أردنا التنزل لهم ومجادلتهم في أمور غير التوحيد والعقيدة، فإذا أقر الملحد بحقيقة الإله الحق، وآمن بسيطرته على الكون وآمن بأنه لا يترك الخلق عبثاً دون توجيه وآمن بعد ذلك بالأنبياء يمكن التوضيح له بشكل أوسع وأكبر في أمور الشرع، وإن كان المجادل والمجالد من أهل الكتاب أو من أتباعهم أو يكن احتراما لهم نجادلهم بما في كتبهم من أمور التوحيد أولا ثم الفروع ثانياً، ومن ذلك ما أشرنا إليه آنفاً حيث نهت كتبهم المقدسة عن الزنا ودواعيه وأمرت بالحجاب ولوازمه مما يحفظ عفاف المرأة –مع التحريف الكبير الذي طرأ عليه عبر الأزمان- انظر على سبيل المثال لا الحصر الوصية بالحشمة والصلاح في نصوصهم "كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ ذَوَاتِ وَقَارٍ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، صَاحِيَاتٍ، أَمِينَاتٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ" رسالة بولس الأولى 3/11 وكقوله في الخضوع للزوج والطاعة له مهما كان، والالتزام بالحشمة وعدم الخروج من البيت بل والملازمة له وإن كن عجائز لا يلفتن النظر: "كَذَلِكَ الْعَجَائِزُ فِي سِيرَةٍ تَلِيقُ بِالْقَدَاسَةِ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، غَيْرَ مُسْتَعْبَدَاتٍ لِلْخَمْرِ الْكَثِيرِ، مُعَلِّمَاتٍ الصَّلاَحَ، 4 لِكَيْ يَنْصَحْنَ الْحَدَثَاتِ أَنْ يَكُنَّ مُحِبَّاتٍ لِرِجَالِهِنَّ وَيُحْبِبْنَ أَوْلاَدَهُنَّ، 5مُتَعَقِّلاَتٍ، عَفِيفَاتٍ، مُلاَزِمَاتٍ بُيُوتَهُنَّ، صَالِحَاتٍ، خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، لِكَيْ لاَ يُجَدَّفَ عَلَى كَلِمَةِ اللهِ". وكذلك: "كَذَلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ النِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ، 2 مُلاَحِظِينَ سِيرَتَكُنَّ الطَّاهِرَةَ بِخَوْفٍ. 3 وَلاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، 4 بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. 5 فَإِنَّهُ هَكَذَا كَانَتْ قَدِيماً النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضاً الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، 6 كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ «سَيِّدَهَا» رسالة بطرس الأولى 3/1-4 بل هناك أمر صريح يلزم النساء بالالتزام بالحجاب وهو ما تفعله أخوات الكنيسة فلا يُرن حاسرات ألبتة، وهكذا كان النصارى عبر تاريخهم الطويل على هذا الحجاب والعفاف الظاهر حتى جاءت الثورة الفرنسية وغيرت المفاهم بسبب طغيان الكنسية وظلمها: "3 وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُلٍ هُوَ الْمَسِيحُ. وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ. وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ. 4كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ يَشِينُ رَأْسَهُ. 5 وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغَطّىً فَتَشِينُ رَأْسَهَا لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. 6 إِذِ الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحاً بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ فَلْتَتَغَطَّ. 7 فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. 8 لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. 9وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ. 10لِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ". رسالة بولس الأولى لكورنثوس 11/3-10 كما حرم على المرأة قص شعرها وأمرها بإرخائه. رسالة بولس الأولى لكورنثوس 11/ 14-15 بل أمر الرجل بغض البصر وعدم اطلاقه في النساء "22 سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّراً 23وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِماً فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَماً فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!" متى 6/22 -23 إلى غير ذلك من النصوص التي تدعم موقفك من القضايا التي تناقشهم فيها ولولا الإطالة لأوردت المزيد منها، وهي إن ذهبنا نستدل بها فإنها مما وافقه شرعنا الحنيف لا شك في ذلك. أما قضية التعدد فهي حقيقة دينية وعقلية وشرعية ولكن أنكرتها الكنيسة وحرفت الشريعة بناء على أهواء الناس الذين اعتنقوا النصرانية، وكتبهم المقدسة مشحونة بالتعدد، بل إن الأنبياء والملوك وكبار القوم عندهم كانوا أكثر الناس تعدداً وزواجاً ومن فمهم تدينهم -كما قيل- فها هو الكتاب المقدس لديهم يعترف أن أحد قضاتهم كان معدداً: "8 وَقَضَى بَعْدَهُ لإِسْرَائِيلَ إِبْصَانُ مِنْ بَيْتِ لَحْمٍ. 9وَكَانَ لَهُ ثَلاَثُونَ ابْناً وَثَلاَثُونَ ابْنَةً أَرْسَلَهُنَّ إِلَى الْخَارِجِ وَأَتَى مِنَ الْخَارِجِ بِثَلاَثِينَ ابْنَةً لِبَنِيهِ. وَقَضَى لإِسْرَائِيلَ سَبْعَ سِنِينَ". سفر قضاة 12/8-10 يعني ستون ولدا فهل يكون الستون إلا من أربع نساء فأكثر؟ وكذا داود تزوج من عشرات النساء، بل إنه سافر مرة وترك فقط عشرًا من إمائه بالبيت: "16فَخَرَجَ الْمَلِكُ وَجَمِيعُ بَيْتِهِ وَرَاءَهُ. وَتَرَكَ الْمَلِكُ عَشَرَ نِسَاءٍ سَرَارِيَّ لِحِفْظِ الْبَيْتِ". صموئيل الثاني 15/16، وقد ورد في السفر ذاته أنه حبسهن حتى الموت؟، وهذا النبي جدعون يتزوج عشرات النساء وينجب سبعين ولداً: "30 وَكَانَ لِجِدْعُونَ سَبْعُونَ وَلَداً خَارِجُونَ مِنْ صُلْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَتْ لَهُ نِسَاءٌ كَثِيرَاتٌ. 31 وَسُرِّيَّتُهُ الَّتِي فِي شَكِيمَ وَلَدَتْ لَهُ هِيَ أَيْضاً" سفر القضاة 8/30-32، وكذا النبي سليمان كان له عشرات من النساء بل مئات أو ألوف ما بين حرة وأمة كما ورد: « 8هُنَّ سِتُّونَ مَلِكَةً وَثَمَانُونَ سُرِّيَّةً وَعَذَارَى بِلاَ عَدَدٍ. نشيد الإنشاد 6/8 إلى غير ذلك من النصوص التي تبين على وجه القطع أن أنبياءهم في كتبهم المقدسة وكبراءهم هم أكثر الناس تعديداً في النساء، وإنما جاء دين الله الخالد ليلغي هذه الفوضى التي زعموها ويضع النقاط على الحروف ويبيح الزواج بأربع بشروط مشددة معروفة. وأود في نهاية هذه الإجابة أن أوجه نصحاً آخر لأخي السائل في مجادلة المخالفين، وهو أن لا يجادلهم في شيء إلا وهو يملك عنه الجواب المقنع، وإلا يعتذر عنه أو يعدهم بجوابه بعد البحث والسؤال، كذا أوصيه بألا يجادل في قضايا الخلاف فيها غير مؤثر ويترك جوهر الخلاف الذي ينبغي علينا الجدال والحوار فيه، وكذا الوصية بكثرة الاطلاع والتعلم والقراءة الفاحصة خاصة في كتب الشرع المطهر، فإن فعل فسيفتح الله عليه فتوحا كثيرة لا يحصي لها عدًّا. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.