في نهاية الفيلم الوثائقي المختصر، عن طفرة التعليم العالي في المملكة، على هامش افتتاح معرض الجامعات الدولي في مدينة الرياض، كانت الصورة لعشرة طلاب سعوديين وهم يتحدثون باسم وطنهم بلغات البلدان والأصقاع التي ذهبوا إليها ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، للابتعاث الخارجي. شباب سعوديون يتحدثون من قلب جامعات الصين واليابان وسويسرا والنمسا وإيطاليا وإسبانيا وماليزيا، ومن بقية الوجهات التاريخية في قصة الابتعاث السعودي. في المعرض المصاحب، كان أحد طلابي من عام 1999، يقف على معرض جامعة – يوهوان – الصينية وجناحها الصغير بعد أن اختارته الجامعة ضمن وفدها التمثيلي إلى المعرض العالمي، وكم كنت فخوراً بكلمات أستاذه الصيني وهو يثني على إمكاناته ويتحدث عنه كتجربة لأول طالب سعودي في هذه الجامعة التي تبعد عن بكين مسافة ساعتين بالطائرة. اليوم يكتمل عقد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث بسبعين ألف طالب في 20 بلداً وبثلاث عشرة لغة عالمية مختلفة. هؤلاء ليسوا مجرد سفراء للصورة السعودية الجديدة، بل هم سفراء هذا العالم وثقافاته ومجتمعاته إلينا حين يعودون في ظرف سنوات قادمة. ومن برودة أبها إلى صقيع أواسط الصين، يتحدث طالبي القديم عن تجربة مدهشة ونحن لا نبني بابتعاثه ووجهته المثيرة فصول قصة دراسية فحسب، بل نبني به شخصية سعودية جديدة لهؤلاء الآلاف الذين اهتبلوا الفرصة. لم تعمل وزارة سعودية بشراسة المنافسة على الصورة السعودية الجديدة مثلما فعلت وزارة التعليم العالي في العقد الأخير من الزمن. تحولت من مجرد وزارة تعليم إلى مؤسسة ثقافية لتسويق الوجه السعودي الجديد، وانتقلت من مجرد إدارة جامعية إلى أكبر مؤسسة استثمار فكري وإنساني واجتماعي. ومن يأت للمعرض في مركز معارض الرياض فسيلمح سباق 300 جامعة عالمية من 31 بلداً إلى الفوز في الاستثمار السعودي الجديد. استثمار الإنسان، والكلمتان وحدهما أكثر من كافيتين. يقول لي مسؤول جامعة كالسروه، الألمانية: يتحدث معالي وزيركم هذا الصباح عن 130 ألف طالب مبتعث بنهاية العام القادم، وهذا الرقم يضع السعودية على المرتبة الأولى عالميا من حيث أعداد طلاب بعثتها الرسمية من الطلاب الدارسين على منحة حكومية. والمفارقة أن هذا العقد ابتدأ بكارثة تركت بصمتها الواضحة على الصورة السعودية، ومن ثم اقترب هذا العقد من الوداع ونحن على مشارف أن يكون عدد طلابنا في جامعات الكون المختلفة نصف عدد طلابنا داخلياً بالتقريب. هذه هي صورة السعودي الجديد، ومن ذا الذي كان يظن أننا سنردم هذه الهوة بهذه السرعة. في نهاية عام 2001 كانت جامعات الدنيا تشعر بالحرج حين تتعامل مع ملف طالب سعودي، واليوم تأتي هذه الجامعات إلى قلب عاصمتنا لتتسابق إليه، وعليه.