موقع «يوتيوب» قدم شكلا جديدا من أشكال التواصل الاجتماعي على الانترنت، ولا ينافسه إلا العزيز «بلاك بيري» الذي أحمله في جيبي أو في يدي حسب الظروف، وعمر الموقع لمن لا يعرف لا يتجاوز الخمس سنوات، ولعل السبب في انتشاره السريع يعود إلى أنه يوفر فرصة إنتاج واستهلاك المواد الفلمية في مكان واحد وبدون تعقيدات أو رقابة حقيقية، والفكرة تقوم عليها، إلى حد ما، أغلب مواقع «الإعلام الاجتماعي» والاختلاف أن طبيعة «يوتيوب» المفتوحة والمتاحة للجميع، سواء كانوا مسجلين في الموقع أو غير مسجلين، أوصلته إلى قاعدة جماهيرية عريضة، وبصورة تكفي لإعطاء أي مقطع يعرض فيه مساحة حضور عالمية. الموقع بدأ في سنة 2005، وخلال خمسة عشر شهرا فقط من تأسيسه تجاوز إنتاجه اليومي مائة مليون مقطع، وفي نهاية سنة 2006 كانت حصته ستين في المائة من إجمالي ما يشاهده الناس على الانترنت، والسابق يشمل مواقع تحميل الأفلام والمسلسلات أو ما يدخل في حكمها، وكتب بيل تانسر (2006) بأن ما نسبته 40 في المائة من المستخدمين الأوائل للموقع تراوحت أعمارهم بين 15 و 24 سنة، وقرأت أن إحصاءات أخرى أجريت في ديسمبر 2006 رفعت النسبة إلى 85 في المائة لمن أعمارهم بين 18 و 24 سنة، أو تحديدا من هم في سن الدراسة الجامعية، وأن الشباب وخصوصا الرجال منهم يمثلون الشريحة الأكبر من زبائن «يوتيوب» وأرقام المشاهدة على الموقع قابلة لأن تكسر حاجز المليون والمليونين والثلاثة وربما العشرة، والتعليقات فيه قد تصل إلى المئات وأحيانا الألوف، في حالة المقاطع صاحبة الشعبية، ولا ينافسها عالميا إلا تعليقات القراء في جريدة «الوطن» السعودية، حتى أن مواقع الإعلام الالكتروني العربية والغربية تنبهت لتأثير الموقع وحاولت محاكاته، والدليل الأبواب المتروكة فيها لمساهمات الزوار المصورة، وبالتالي وكما هو الحال في معظم صيغ الإعلام الجديد، لم تعد المسألة مرهونة بمواعيد البرامج وساعات بثها، لو أخذنا التلفزيون والمحطات الفضائية كمثال، بل أصبح الشخص العادي طرفا في المعادلة، وفي تحديد الأوقات المناسبة لبث إنتاجه. المدهش في «يوتيوب» إنه وسيلة مثالية لقياس الرأي العام أو على الأقل وجهة نظر الجمهور في المقطع المعروض، بالذات وإن الانترنت تلعب حاليا دورا مهما في توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية وفي كسب الولاءات والصداقات، والنقطة الأخيرة استغلت من بعض الجماعات لتصفية الحسابات مع من يختلفون معهم جزئيا أو كليا، ووسيلتهم في ذلك تصوير مشاهد محرجة أو جارحة تنال من مكانة الشخصية العامة أو تشكك في نواياها وأخلاقها، وبطريقة لا تبتعد كثيرا عن «خطاب فاعل خير» أو الشكاوى الكيدية الكلاسيكية، إلى جانب الاستثمار في هذا المنبر الالكتروني كمنصة للخطاب الوعظي المطور الذي يأخذ عنوانا إباحيا ثم يتناول في محتواه دعوة قسرية إلى الفضيلة، تدخل في نية المشاهد وتمارس الوصاية عليه، أو تفبرك الحكايات المصورة لخدمة أغراض مشبوهة، ولاحظت أن التعليقات عليها لا تصل إلى أرقام قياسية إلا إذا كان الموضوع المطروح يناقش في زاوية منه قضية دينية أو يقترب من مناقشتها، وأنها دائما تؤكد على مواقف متشابهة حد التماثل، وهذه الملاحظة تنطبق على المحتوى العربي في «يوتيوب» وعلى نسبة كبيرة من المواقع الالكترونية الإعلامية والعامة باللغة العربية، واستثني مرة أخرى جريدة «الوطن» السعودية وأرى أن ما يحدث فيها يخالف الخط الدولي العام ويستحق الدراسة، وهو يشير إلى احتمالين: الأول أن مواقع الصحافة المطبوعة العربية والغربية تمارس نوعا من الرقابة لا وجود له في «الوطن» السعودية، والثاني أن الصحافة العربية وحدها تراقب وتحجب، ولو افترضنا أن الأمر يخص الصحافة في الدول العربية، فالمعنى الذي سيخرج به أي مراقب محايد قد يتجه إلى غياب الحدود المعقولة لحرية التعبير، ووجود حالة صعبة جدا من الفراغ والكبت في المجتمع العربي. وشخصيا أحترم الطروحات الجريئة والجميلة والمهنية لجريدة «الوطن» وأقدر فريق تحريرها والقائمين عليها وليس بيني وبينهم إلا كل خير، وآمل أن تتسع صدورهم لما كتبت. السلوك الإعلامي في إطاره الشخصي أو المؤسسي، لا يمكن أن يكون متجردا ونزيها باستمرار، والكلام ذكره ألن روبن وزملاؤه في مقالة علمية نشرت سنة 2003، في المجلد الرابع والعشرين من دورية الأبحاث الصحافية ، وتناولت المقالة في متنها قضية أن التلفزيون ليس مسؤولا مباشرا أو بالوكالة، عن إثارة وتضخيم الهاجس الإرهابي في عقول الغربيين، وما يهم أنها رفضت تبرئة ساحة التلفزيون، وقالت إن السلوك الإعلامي في العادة متعمد ومقصود ومحكوم بأهداف ودوافع وأجندة، وأن الأشخاص يختارون المحتوى الإعلامي الذي يخاطب رغباتهم وما يطمحون إليه، أو ما يريدون تمريره بدون تبعات مباشرة يتحملونها، وعلى طريقة «ناقل الكفر ليس بكافر» وفي رأي «روبن» فإن المناخ النفسي والاجتماعي يؤثر في هذا السلوك، وإن المنافسة الإعلامية أو العداوات قد تفسر بعض تصرفات الإعلام أو تصيداته. أعود إلى موقع «يوتيوب» وأجد أن فيه أيضا فرصة مجانية لتسويق البرامج والمسلسلات، ومعرفة درجة استمزاج الجمهور لها، وذلك بنشر مقاطع قصيرة من الحلقات الأولى، ورصد تجاوب الناس معها في أرقام المشاهدة والتعليقات، وبعدها اتخاذ قرار بالاستمرار في تصوير البرنامج و المسلسل أو إيقافه، ولاحاجة إلى موازنة للإعلان المطبوع، أو مراكز دراسات وشد أعصاب، أو صناعة أخبار مثيرة حول الدراما التلفزيوية أو المادة الترفيهية أو الجادة، لاستمالة المشاهد وزيادة الإعلانات، والمعلن سيأتي مرغما وبدون دعاية ليحاور المشاهد في فواصل مادته الإعلامية المفضلة، وأتمنى أن لا يطول الحوار، وتبقى تفاصيل الإعلان وليس الإعلام حاضرة في ذاكرة الجمهور.