حين تقابل شخصاً ما: ألا تمارس تصنيفاً بطريقة ما نحو ذلك الشخص؟... التصنيف يحدث حين تفكر في فئته الاجتماعية، لونه، منطقته - مدينته، طبقته الاقتصادية، جنسه، تعليمه، فكره... ما دور الجماعة التي ينتمي إليها الشخص في حدوث تلك العملية؟ وما الذي يترتب على التصنيف؟ وهل نمارس نحن نوعاً واحداً من التصنيف؟ أم أن هناك أنواعاً كثيرة؟ هل يؤدي التصنيف إلى شكل من (التعصب) أو (التحيز)؟ وهل يقودنا التصنيف بالضرورة إلى (التنميط) أو (القولبة) أي الحكم على الفرد بناء على انتمائه إلى جماعة معينة؟ وغير ذلك كثير من الأسئلة التي قد تخطر على بالك... عمليات التصنيف والتعصب والتنميط تحدث كلها في سياق التفاعلات بين الأفراد والجماعات، التي ظلت إحدى أهم الظواهر التي يحاول (علم النفس الاجتماعي) - بجانب علوم أخرى - تفسيرها بطريقة مقنعة، وقد تم إعداد مئات بل آلاف الدراسات ووضعت مئات الكتب من أجل تفسير مثل تلك الظواهر المعقدة والمتشابكة. ونظراً لأهمية مثل تلك الموضوعات في عالمنا العربي، فسوف أستعرض عدداً من الكتب المهمة التي تعالج تلك الموضوعات. الدكتور أحمد زايد - متخصص في علم النفس في جامعة جنوبالوادي في مصر - أصدر كتاباً مهماً يتناول فيه بالتحليل العلمي الجوانب السيكولوجية للعلاقات الاجتماعية، وقد تناول العديد من المسائل التي أشرنا إليها، ففي بداية الكتاب تناول بعض الطروحات التي تتساءل عن مدى حقيقة وجود (الجماعة)، أي هل يوجد شيء حقيقي اسمه الجماعة أو (عقل الجماعة)، أم أن هناك استجابات فردية لمثيرات أو مواقف اجتماعية؟ طبعاً بالتأكيد هنالك جماعة، وهنالك عقل جمعي، ولكن ما طبيعة العلاقات والتأثير فيما بين الأفراد والجماعات؟ هذا سؤال إشكالي، وقد تصدى له الكتاب بشيءٍ من التفصيل المدعوم بالدراسات النظرية والتطبيقية، وفي سبيل الإجابة تناول واحدة من أهم النظريات العلمية وهي (نظرية الهوية الاجتماعية) للباحث الشهير (تاجفيل) بالاشتراك مع (تيرنر)، ومن تفسيرات تلك النظرية أن مجرد الوعي بوجود جماعة أخرى يجعل الأفراد يميلون إلى التصنيف والتمييز والمنافسة بين الجماعات بجانب ميلهم إلى تفضيل الأفراد الذين ينتمون إلى جماعتهم، كما تذهب النظرية إلى أن ذلك كله يؤدي إلى خلق (هوية اجتماعية)، كما يرى تاجفيل وتيرنر أن الأفراد بشكل عام يميلون إلى أن يروا أنفسهم بشكل إيجابي (هوية اجتماعية إيجابية)، مما يدفعهم إلى القيام بالعديد من (المقارنات الاجتماعية) مع جماعات أخرى، كي يجدوا طرقاً تمكّنهم من التموضع الإيجابي في المجتمع، لأن الأفراد بحاجة إلى (تقدير لذواتهم)، وقد أشارت النظرية إلى أن تأثر الفرد بجماعته يخضع لما يسمى ب (التوحد) Identification ودرجة اندماج الفرد مع الجماعة. وفي بداية الثمانينيات طور الباحث (تيرنر) نظرية تحت مسمى (نظرية تصنيف الذات) أكد فيها أهمية العمليات السيكولوجية للأفراد مع بروز (هوية اجتماعية مشتركة). ولو عدنا إلى التصنيف Categorization فإننا نجد المؤلف يقول لنا: (عملية التصنيف عملية مفيدة في حياتنا الاجتماعية، لكنها تعد عملية خطيرة، لأنها تؤدي بسهولة إلى التصنيف الفئوي المبالغ فيه والتعميم، والحكم المسبق على الآخرين) (ص 45). ثم بدأ المؤلف بإيراد بعض التفسيرات لميلنا إلى التصنيف، فمن ذلك: أن الإنسان يرغب في الإفادة من خبراته السابقة من خلال الاعتماد عليها في الحكم على الآخرين والمواقف، وتحديد ما يتطلبه ذلك. هنا نعيد التذكير بأن الخطورة تكمن في التصنيف الذي يؤدي إلى التعصب أو التمييز Discrimination، وقد تعرض المؤلف لبعض المسائل التي تعيننا على التقليل من ذلك الاحتمال الخطير، الذي ينجم عنه العديد من المشاكل الاجتماعية والتي من بينها: انعدام العدالة الاجتماعية والخلخلة في البنيان الاجتماعي. ومن أهم فصول هذا الكتاب ما يتعلق بمسألة (التعصب) Prejudice، وقد استعرض بشكل موسع تعريفات التعصب في الأدبيات العلمية، وعلاقة التعصب والتمييز، وعلاقة التعصب والتنميط (القولبة)، كما استعرض كيفية نشأة التعصب وجذوره وصوره وخصائصه، بجانب تناول النظريات المقترحة من قِبل الباحثين لتفسير التعصب، وختم هذا الفصل المهم بطرح بعض الطرق لتخفيف التعصب عبر: الاتصال المباشر فيما بين الجماعات، والبرامج التربوية وذكر منها أن تدريس الطلاب الجامعيين لمثل تلك القضايا يعينهم على الوعي بخطورتها ومن ثم التخلص منها بأكبر قدر ممكن. كما يستعرض الكتاب التنميط والتفاوض بين الجماعات. والكتاب جديرٌ بالفعل بالعناية، كما أنه يصلح ضمن المراجع الأساسية في جامعاتنا العربية في العلوم الاجتماعية والإنسانية. الكتاب: سيكولوجية العلاقات بين الجماعات المؤلف: د. أحمد زايد الناشر: عالم المعرفة، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عدد 326، 2006م.