قص رجل الأعمال الدكتور ناصر الرشيد مبادرة التبرع لضحايا كارثة جدة، وابتدأ الريال الخيري الأول وكأنه يرفع البطانية عن محترفي النوم. وكما أن هذه المدينة مثقلة بهموم ضحايا سيولها فهي أيضا مثقلة بأصحاب الجيوب المنتفخة الغارقين في هموم المليارات والملايين ومخجل جدا لهؤلاء من علية القوم والحسابات البنكية أن يتفرجوا على البسطاء الذين هبوا من كل أحياء المدينة يتبرعون أحيانا حتى بوجبة عشاء يواسون بها أسرة منكوبة. ومن المخجل جدا جدا أن بعض هؤلاء الأثرياء يتباهون على القنوات الفضائية الرياضية بالأرقام التي دفعوها من أجل دعم نادي مدينتهم الرياضي، وإن كنت مخطئا فادفعوني إلى المسار الصحيح: هل سمع منكم أحد بأي من هؤلاء الأثرياء وقد نهض إلى مبادرة؟ شكرا من الأعماق لابن حائل الكبير الذي كشف من حيث لا يريد ولا يدري عوراتنا من حوله. أعلم تماما تماما أن الدولة قادرة مقتدرة وستقوم بفضل الله على هذا البلد، بدورها دون الحاجة وقد منّ الله علينا بأموال هي أضعاف هذا السيل العرمرم. لكن القصة تكمن في رمزية المبادرات استشعارا للواجب الوطني. هذه المدينة بالتحديد لها من الأفضال الاقتصادية على أبناء هذا البلد ما لا ينساه تاريخها وما السيل اليوم إلا إيقاظ للضمير وتجلية للمعدن الأصيل لأثريائها الذين برهنوا أنهم إنما من معدن. حتى كتاب هذه المدينة الكبار من أساتذتنا الذين يتصدرون كتابة الشأن الاجتماعي الوطني العام في أشهر صحف هذه المدينة أو حتى في غيرها غابوا عن الحدث وعندما عادوا على استحياء كان العذر أن السيل الكبير قد اختار أن يضرب المدينة في ثنايا إجازة الكتاب الكبار وأنه قد اختار لطوفانه أن يكون مع هؤلاء الكتاب في إجازة الأضحى المبارك. كان على السماء والمطر والسيل أن تتأخر قليلا من أجل هؤلاء الكتاب الكبار وكان على السحابة أن تمسك ماءها قليلا حتى بداية شهر الله المحرم. ومرة أخيرة فأنا هنا لا أضع تقريرا للحساب ولكنني أكتب للعتاب: لهؤلاء الأثرياء الذين ضل بهم الطريق ما بين قويزة المنكوبة وما بين ميناء المدينة الذي كان لهم قصة حياة ولهؤلاء الكتاب الكبار الذين يدركون تماما، تماما، تماما، أن نكبة المدينة التي لبسوها حلماً للحياة أكبر من أن يزعجهم السيل بقطع إجازة.