سعيد حارب - العرب القطرية قررت إحدى الدول الإسلامية منع مواطنيها المسيحيين من بناء الكنائس، وطلبت منهم ممارسة عبادتهم في بيوتهم أو في أماكن محددة لا تبدو عليها مظاهر الكنائس، وقالت أغلبية المواطنين غير المسيحيين إن وجود كنائس مسيحية بأبراجها التي ترفع الصليب يذكرهم بالحروب الصليبية التي شنتها الدول المسيحية على المسلمين، كما يذكرهم بما تقوم به الدول الغربية "المسيحية" من عدوانٍ على بعض الدول الإسلامية واحتلالها لهذه الدول، وقتل الأبرياء من النساء والأطفال والمدنيين مثلما يحدث في العراق وأفغانستان، وفي بلد عربي آخر منعت الدولة غير المسيحيين من بناء كنائس لأنه لا يوجد أحد من مواطني تلك الدولة من المسيحيين، وقد احتجت الدول الغربية واعتبرت ذلك إخلالا بحقوق الإنسان، وتمييزاً بسبب الدين، وأصدرت عدد من الدول بيانات تدين كلا الدولتين وتطالبهما بالرجوع عن قرارهما حتى لا تتعرضا لعقوبات دولية، كما احتجت منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني على ذلك، وتقدمت بعض الدول بطلب عرض الموضوع على مجلس الأمن لمناقشته، وتضمن تقرير الحريات الدينية الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية ما اعتبر ذلك تعدياً على حقوق الأقليات الدينية، وأشار إلى أن الأقلية المسيحية في كلا الدولتين تتعرض للاضطهاد وطالب التقرير وزارة الخارجية الأميركية باتخاذ خطوات عملية لحمل كلا الدولتين على العودة عن قرارهما. هذا السيناريو "الخيالي" يمكن تصوّره رغم عدم إمكانية تطبيقه، لكنه يشير بوضوح إلى أن العالم يتجه نحو التعصب أكثر من اتجاهه نحو التسامح، ولا أدل على ذلك مما حدث في سويسرا منذ أيام حيث صوت أغلبية السويسريين لإدخال مادة في الدستور تنص على منع بناء مآذن في المساجد المقامة أو التي يمكن أن تقام في سويسراً مستقبلاً علماً بأن الدين الإسلامي يشكل الديانة الثانية في سويسرا كما أن الدستور السويسري يحفظ حق ممارسة العبادة، حيث تنص المادة (15) منه على أن "حرية الاعتقاد والفلسفة مكفولة، فكل واحد له الحرية في اعتناق الأديان والعقائد وأن يمارسها سواء كان وحيدا أو داخل جماعة، وللجميع الحق في الانضمام لأي جماعة دينية وأن يتبع التعاليم الدينية، ولا يجوز إكراه أحد على الانضمام لجماعة دينية أو ممارسة شعيرة دينية أو اتباع تعاليم دينية بعينها"، فإذا كان هذا حال السويسريين الذين لهم نصيب وافر من العلم والتعلم والتقدم المدني، فماذا يمكن أن نتوقع ممن كان حظه من ذلك قليلاً، وإذا كان هذا شأن الغرب الذي يحدثنا كثيرا عن التسامح وقبول الآخر، فماذا عن المنغلقين والذين يوصفون بالتشدد في الشرق؟ لقد كشف السويسريون أن "خرافة" التسامح ليست إلا عبارات تتضمنها تقارير حقوق الإنسان وجلسات حوار الأديان والحضارات التي تتم في المؤتمرات والندوات، أما الواقع فهو ما زال بعيداً عن ذلك، فالسويسريون لم يكونوا وحدهم الذين "لم يُظهروا التسامح تجاه المسلمين" بل كان معهم جيرانهم من الفرنسيين الذين أشار استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة "لوفيغارو" أن أكثريةً نسبيةً من الفرنسيين تعارض بناء مساجد في فرنسا فقد صوت %41 لمنع بناء المساجد، أما الذين يؤيدون منع المآذن فقد بلغت نسبتهم %46%، وفي ألمانيا ذكر وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير أنه يفكر في طرد الأئمة المسلمين المتطرفين من ألمانيا، وقال ميزير في مقابلة مع صحيفة "دي تسايت" الألمانية الأسبوعية: "أين تحدث أولى بوادر تطرف (مجرمي العنف الإسلاميين)؟ الإجابة: تكاد تكون دائماً حول المساجد". وفي إيطاليا طالب وزيران من الحكومة بمنع بناء المساجد في إيطاليا، هذه المواقف وما سبقها خلال السنوات الماضية، كرواية "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، والرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنع الحجاب في فرنسا، وحرق بعض المساجد في عدد من المدن الأوروبية والأميركية، وغيرها من المواقف لا تدع أمام دعاة التسامح في العالم العربي والإسلامي أي فرصة لتأكيد دعواهم، فخلال السنوات العشر الأخيرة شهدت الدول العربية والإسلامية ما يمكن تسميته ب "الحملة" لترسيخ مفهوم التسامح، وكان الهدف من ذلك، هو التسامح مع الغرب، وتم تمرير أفكار كثيرة كالحوار مع الآخر، وحوار الحضارات، والتعاون المشترك، وغيرها من الأفكار التي تم إدخال مفرداتها في الحياة اليومية للإنسان العربي والمسلم، فالإنسان العربي والمسلم كان متهماً بأنه غير متسامح، وتم تحميل ملايين العرب والمسلمين جريرة أعمال لم يرتكبوها أو يوافقوا عليها أو يقبلوا بها، بل كانوا ضحاياها في أحيان كثيرة، وحين بدأ هذا المفهوم في الترسخ لدى العقلية العربية جاء الرفض من الطرف الآخر، ولعل من الغريب أن يتحمل الإنسان العربي والمسلم نتائج جميع المواقف، فباسم الخوف من الإرهاب يتم تبرير هذه الخطوات في الغرب، لكن ماذا عن الخوف ممن يرتكب الجرائم والإبادة التي ترتكب بحق الآمنين في كثير من بقاع العالم العربي والإسلامي؟ إن هذا الحديث ليس "كُفراً" بمبدأ التسامح، لكنه تأكيد على أن هذا التسامح طريق ذو اتجاهين!